خطة "السلام للازدهار" التي أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا الأسبوع لم تحمل مفاجآت فعلية بالنظر إلى تاريخ ومواقف هذا الفريق بالذات، ومصيرها معلق بمصيرهم وما ستحمله الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل.
جاءت الخطة على 181 صفحة وعلى الأرجح خط صهر ترامب، جاريد كوشنير، الشق الاقتصادي منها والسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان الجزء السياسي، وهي تكملة لنهج الإدارة الملاصق لنهج زعيم الليكود بنيامين نتانياهو لأسباب سياسية وتجارية وترتبط أيضا بحسابات الجمهوريين الانتخابية. لكن فريدمان هو أيضا المهندس الاستراتيجي الفعلي لسياسة ترامب تجاه النزاع، وهو ينظر إلى من منظار مناهض للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.
بداية وبالنظر الى الخطة نفسها يمكن استخلاص ثلاثة مؤشرات:
أولا: هناك افتراق في الخطة عن نهج جميع الإدارات السابقة. فالنص ليس وليد مفاوضات علنية أو سرية كما كان الحال منذ كامب ديفيد في 1978 حتى مدريد في 1991 ثم أوسلو 1994 ثم طابا العام 2000 وصولا لمساعي باراك أوباما التي توقفت في 2013. لا بل هو محاولة فرض معطيات وخارطة تضرب بعرض الحائط القرارات الدولية على جميع المعنيين.
عربيا المماطلة وشراء الوقت هو المسار الأرجح
ثانيا: غياب الجانب الفلسطيني عن الطاولة يضع الخطة في الثلاجة بغض النظر عن الحملة الإعلامية التي صاحبتها. وبأهمية غياب السلطة الفلسطينية كان غياب الأردن عن حفل الإعلان في واشنطن. فرغم العلاقة القريبة بين الشريكين والمساعدات الأميركية السنوية للأردن، لا يمكن للمملكة أن تكون حاضرة وتصفق لمجلد أميركي يعطي إسرائيل حق السيطرة على وادي الأردن ويعلن القدس عاصمة موحدة لها. هذه البنود قد تخلق شرخا في العلاقة بين القيادة الهاشمية وترامب ومن شأنها أن تفتح الباب لوساطة بريطانية أو روسية أكثر اتزانا في هذا الملف.
ثالثا: جنوح الخطة إلى هذا المستوى لصالح إسرائيل هو هدية مشتركة لنتانياهو والسلطة الفلسطينية. فزعيم الليكود سيبدأ حملة إلحاق المستوطنات في الضفة الغربية بإسرائيل أو "المساحة ج" في اتفاق أوسلو ولبسط إسرائيل سلطتها على وادي الأردن. فالنقطتان مباحتان في الخطة وكما قال فريدمان "إسرائيل ليس عليها أن تنتظر على الإطلاق". هذا يفسر توقيت نشر الخطة لدعم نتانياهو بانتخابات قد تمنحه في المحاولة الثالثة أكثرية ومن ثم حصانة ضد الإدانات الثلاثة الموجهة إليه من القضاء الإسرائيلي.
أما السلطة الفلسطينية والتي تبدو وكأنها في حالة موت سريري، فخطة ترامب هي ما يحتاجه رئيسها محمود عباس لخوض حملة دولية واستقطاب دعم عربي وأوروبي.
الدول العربية لا يمكنها احتضان هكذا خطة مع ما قد تعنيه من هزة لاستقرار الأردن وتناقض مع المبادرة العربية للسلام. في نفس الوقت، الجانب العربي، والخليجي خصوصا، لا يريد مناكفة ترامب الذي عزز العلاقة الدفاعية والاستراتيجية معه وزاد الضغوط على إيران.
هناك افتراق في الخطة عن نهج جميع الإدارات السابقة
فما المسار المتوقع للخطة؟
إسرائيليا، نتانياهو سيوظف علاقته بترامب للفوز بانتخابات 2 مارس، وليرد بعدها الجميل للجمهوريين في حملتهم الانتخابية. أما فلسطينيا، عباس سيوظفها للعودة للساحة الدولية وحشد القاعدة الشعبية.
أما عربيا، فالمماطلة وشراء الوقت هو المسار الأرجح لتفادي إغضاب ترامب وبنفس الوقت تفادي هزة أمنية على المستويين الفلسطيني والأردني.
أما أميركيا، وهو الأهم، ترامب دخل فعليا في موسم الانتخابات ولن يجازف بإجهاض رصيده المقرب من إسرائيل مع اليمينيين الإنجيليين بتقديم تنازلات للفلسطينيين وتعديل الخطة.
فمصير الخطة يرتبط بمصير ترامب الرئاسي. فوزه بولاية ثانية سيدفع الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات وبتأييد عربي أو سيفرض حلا لدولة الواحدة. أما خسارته أمام أي من الديمقراطيين سواء كان المرشح جوزيف بايدن أو بيرني ساندرز أو إليزابيث وارن فسيعني أن الخطة ستنتهي صلاحيتها وستغادر البيت الأبيض في حال غادر ترامب.
0 تعليق على موضوع : مصير "صفقة القرن" معلق بمصير ترامب // بقلم : جويس كرم
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات