هزت قضية وفاة الشابة إسراء ناصر يوسف غريب، من بلدة بيت ساحور، قضاء بيت لحم، الرأي العام الفلسطيني والعالمي، وفتحت الشكوك أمام احتمال مقتلها بعد تعرضها للعنف من قبل أفراد من عائلتها. وتضاربت الأنباء والمعلومات حول أسباب وفاتها، في ظل عدم انتهاء الأجهزة الرسمية المختصة من إجراءات التحقيق في حادثة الوفاة، وعدم صدور تقرير الطب الشرعي النهائي الذي يوضح الأسباب الحقيقية التي أدت إلى وفاتها.
وتصدر هاشتاج "كلنا إسراء غريب" موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بأكثر من 60 ألف تغريدة.
وتصدر هاشتاج "كلنا إسراء غريب" موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بأكثر من 60 ألف تغريدة.
اقرأ أيضاً: "إسراء غريب" تضعنا أمام المرآة
إسراء غريب (21 عاماً) طالبة في قسم اللغة الانجليزية في جامعة بيت لحم، وتعمل أيضاً في أحد صالونات التجميل. لقيت مصرعها في 22 الشهر الماضي، وبرزت عدة روايات وتفسيرات على مواقع التواصل الاجتماعي حول ما إذا كانت الوفاة لأسباب طبيعية أم جنائية.
بدأت قصة إسراء بمعلومات صدرت على لسان عدد من صديقاتها على مواقع التواصل الاجتماعي تحدثن فيها "أنّه حين تقدم شاب لأسرتها لخطبتها، خرجت الفتاة إسراء غريب برفقته وشقيقتها بعلم والدتها للتعرف عليه بشكل أعمق في أحد مطاعم المدينة، وبعد قيام الفتاة بالتقاط فيديو قصير ونشره عبر صفحتها على "انستغرام"، قامت ابنة عمها التي شاهدت المقطع بإبلاغ والدها وأشقائها والتحريض على الفتاة، بحجة خروجها مع شاب قبل عقد القران، والذي دفع بوالد وأشقاء الفتاة لضربها بشكل مبرح، فيما تشير إحدى صديقاتها إلى أنّ إسراء قد تكون فارقت الحياة أثناء محاولتها الهرب من عنف أسرتها بعد قفزها من أعلى فناء منزلها".
مطالبات للكشف عن ظروف وفاة إسراء
وبعد تصاعد المطالبات الشعبية والمحلية للكشف عن ظروف وفاة إسراء، وإجراء تحقيق جدي في وفاتها، ومطالبة النشطاء، بالقصاص لابنة بلدة بيت ساحور، مؤكدين أنّها قتلت ولم تمت بشكل طبيعي، وفق رواية عائلتها، قامت عائلة الفتاة بإصدار بيان نسب إليها على مواقع التواصل الاجتماعي في 26 الماضي، تفيد فيه: "فوجئنا بما يتم تناقله على منصات التواصل الاجتماعي من تناقل الإشاعات المغرضة وتضخيم الحدث وكان لابد من توضيح عدة أمور للرأي العام".
قانونيون: ما حدث مع إسراء لن يكون الحادثة الأولى ولا الأخيرة والمطلوب إجراء تحقيق واضح وشفاف يعاقب المتورطين
وأوضحت العائلة أنّ "ما حصل مع فقيدتنا أنها كانت تعاني من حالة نفسية واضطرابات عقلية أدت إلى سقوطها بفناء المنزل في 9 أغسطس (آب) الماضي، على إثره تم نقلها إلى مستشفى الجمعية العربية في بيت لحم، وتم معاينة الإصابة والكدمات، وتبين وجود كسر في العمود الفقري، والذي بدوره استدعى نقلها إلى مستشفى بيت جالا الحكومي من أجل الحصول على التحويلة الطبية إلى مستشفى آخر لإجراء العملية".
وأضافت العائلة إنه "بالكشف عن الحالة الصحية من قبل أكثر من طبيب مختص تقرر أنّها ليست بحاجة إلى إجراء العملية في الوقت الحالي لصغر سنها والاكتفاء بتناول الأدوية، وبالرغم من التصرفات الخارجة عن الإرادة من جراء الحالة المرضية التي كانت تعاني منها استدعى خروجها من المستشفى من قبل العائلة واستكمال العلاج بالمنزل، إلا أنّه وبعد خروجها لم تمكث كثيراً حتى وافتها المنية إثر تعرضها لجلطة ووصلت إلى المستشفى متوفية، وتم نقل جثمانها إلى معهد الطب العدلي في أبو ديس لتشريح الجثة وبانتظار نتائج التقرير الطبي، والذي سيصدر عن الجهات الرسمية المختصة"، كما قالت العائلة.
التسجيلات تفضح رواية الأهل
لكنّ التسجيلات التي انتشرت عبر موقع "تويتر" أثناء مكوث الفتاة غريب في المستشفى، ونُسبت إلى ممرضة قامت بتسجيل استنجادات إسراء وصراخها جراء تعرضها لعنف شديد من أسرتها، تتنافى مع رواية عائلتها، وهو ما أكدته إحدى صديقاتها بعد نحو ثمانية أيام على وفاة إسراء، حيث قامت بنشر تفاصيل لقصة حياة الشابة تضمنت صوراً ومقاطع فيديو، تظهر فيها وهي تطلب النجدة وتتحدث عن تفاصيل معاناة عاشتها بسبب نشرها صورة عبر حسابها على "الإنستغرام" مع شاب كان قد تقدم لخطبتها من أهلها في وقت سابق.
قانون مقترح لمنع العنف ضد العائلة في المجتمع الفلسطيني تعطل في المجلس التشريعي بسبب الانقسام السياسي بين حماس وفتح
وبحسب النيابة العامة الفلسطينية، فإنّ إسراء وصلت جثة هامدة إلى مستشفى بيت جالا الحكومي، وأنّها باشرت بإجراءات التحقيق بوفاة الشابة، مشيرة إلى أنّها أجرت الكشف الظاهري على الجثة، وصدر قرار بإحالتها للطب الشرعي لإجراء التشريح عليها وفق الأصول، وهو ما دفع النيابة العامة لإصدار بيان ثانٍ في 30 أغسطس (آب) الماضي، تفيد فيه بأنّ إجراءات التحقيق لا تزال جارية، وأنّها باشرت بسماع إفادة الشهود وجمع الأدلة، وأنّ النيابة في انتظار صدور تقرير الطب الشرعي عن الحادثة".
ماذا قال رئيس الوزراء الفلسطيني؟
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية قد توعّد بأقصى "العقوبات على كل من تورط في قتل أي إنسان"، مؤكداً أنّ "الحكومة تنتظر نتائج التحقيق".
وشدد اشتية على "ضرورة تعزيز منظومة التشريعات الحامية المرأة الفلسطينية"، مضيفاً "إسراء أصبحت قضية مجتمع، ونحن نشعر بذلك، ونستشعر نبض الشارع تجاه هذه القضية".
اقرأ أيضاً: "النسوية".. المرأة الغربية ماتزال تعاني التمييز
فجوة التوقيت بين بيانات النيابة العامة وتأخر ظهور نتائج التحقيق بعد مرور عدة أيام على حادثة الوفاة، فتح عدة تساؤلات على المستوى الشعبي بين رواد منصات التواصل الاجتماعي عن أسباب تأخر الجهات الرسمية في الكشف عن أسباب الحادثة، وما إذا كان هناك تواطؤ من قبل النيابة العامة في الكشف عن ملابسات الواقعة، وهو ما دفع "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بمطالبة السلطة الفلسطينية بفتح تحقيق جدي وفوري لكشف ملابسات وفاة شابة في الضفة الغربية، وما يثار حول مقتلها على خلفية ما يسمى "قضايا الشرف"، والعمل على التصدي للمفاهيم المغلوطة الرامية إلى "لوم الضحية" نفسها وإنقاذ "القاتل" من العقاب".
وقال المرصد الأورومتوسطي، ومقره جنيف، في بيان له "إنّه رصد تسجيلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى تعرض "إسراء ناصر غريب" (21 عاماً) من بلدة بيت ساحور قضاء بيت لحم لحالة تعنيف شديد من أسرتها، وصور لها تؤكد ذلك".
قضايا القتل على خلفية الشرف
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أصدر مرسوماً في أيار (مايو) 2014، ألغى بموجبه العذر المخفف لقضايا القتل على خلفية الشرف، بعدما كان قانون العقوبات المعمول به في الأراضي الفلسطينية، الذي يعود إلى عام 1960، يمنح عذراً مخففاً لمن أقدم على قتل امرأة بدواعي الدفاع عن الشرف.
وتشير إحصائيات رسمية أصدرتها الشرطة الفلسطينية إلى أنّ الضفة الغربية شهدت خلال العام 2018، وقوع 24 جريمة قتل منها 12% ضد نساء على خلفية ما يسمى بـ"جرائم الشرف".
بدورها، ترى مديرة مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي بالخليل، أمل جعبة في حديثها لـ "حفريات" أنّ "جرائم قتل النساء بداعي الشرف في المجتمع الفلسطيني باتت تشكل ظاهرة خطيرة وتدق ناقوس الخطر بعد مقتل 18 امرأة خلال العام 2019، من بينهن 14 امرأة في الضفة الغربية و4 نساء في قطاع غزة، وهو يشير بشكل واضح إلى عجز المؤسسات الرسمية عن التصدي لهذه الظاهرة والتي تهدد النسيج الاجتماعي الفلسطيني".
هروب القتلة والتستر عليهم
وتضيف أنّ "العديد من القضايا التي تتعلق بقتل النساء والفتيات تتم لأسباب مختلفة ليتهرب القاتل من قضية تعرضه لعقاب رادع بدعوى أنّ الضحية جرى قتلها على خلفية الشرف أو إساءة السلوك، حتى باتت البنية الفكرية والمجتمعية لدى بعض الذكور مشوهة ومحملة بالعنف ضد النساء لعدة أسباب باعتبارها امتداداً لعادات وتقاليد مجتمعية قديمة، في ظل عدم استحداث ثقافة جديدة تقوم بتغيير هذا المفهوم، مع تقصير المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في إحداث تغيير جدري في الثقافة الاجتماعية، التي تقوم على أساس التأهيل والعلاج وإعطاء الحلول والبدائل للأزمات المجتمعية".
هاشتاج "كلنا إسراء غريب" تصدر موقع "تويتر" بأكثر من 60 ألف تغريدة ومطالبات بتحويل الحادثة إلى قضية عالمية
وتتابع جعبة إنّ "قتل النفس هو من أشد الفتن في المجتمع، ويترتب عليها آثار مختلفة وتضاعف من تشتيت الأسرة، ويعاني القاتل من صعوبات مستقبلية، ويعيش أفراد العائلة في مأساة كبيرة، ولو وجدت البدائل المبنية على الحوار والعلاج والتقصي والمعرفة ستحل هذه القضايا وتنتهي حالات القتل بكافة أشكالها في المجتمع".
وعن ما هو المطلوب رسمياً واجتماعياً لمواجهة ونبذ العنف ضد المرأة تفيد جعبة أنّه "لا بد أن يكون هناك قانون رادع لحماية الأسرة من العنف، يقدم علاجاً نفسياً وقانونياً واجتماعياً وتأهيلياً لتلك القضايا، بالإضافة للتوعية عبر المؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية، وأن تأخذ المؤسسات الرسمية وغير الرسمية دورها في نقاش بدائل العنف الجسدي ضد المرأة والطفل وضد أفراد الأسرة الآخرين".
الجريمة كونهن نساء
من جهتها، تقول مديرة جمعية نساء ضد العنف نائلة عواد إنّ "النساء يقتلن لأنّ جريمتهن أنّهن ولدن نساء، كما أنّنا نناهض أي قتل يقع تحت مسمى جرائم الشرف، وبالتالي فالمجتمعات الذكورية تقوم بتهميش المرأة وحقوقها من خلال تعنيفهن والاعتداء عليهن والتحرش بهن جنسياً وصولاً لقتلهن، وهو ما يميز كافة هذه المجتمعات التي تهيمن وتسيطر بمفاهيمها وجرائمها على المجتمعات كاملة".
واتهمت عواد الحكومة الفلسطينية "بالتنصّل من المسؤولية تجاه حماية النساء"، لافتة إلى أنّ هناك قانوناً مقترحاً لمنع العنف ضد العائلة في المجتمع الفلسطيني، "وبقي القانون موضوعاً على أجندة المجلس التشريعي المعطل، ولم يقر حتى اليوم، بسبب الانقسام السياسي الداخلي الفلسطيني بين حركتي حماس وفتح، وبالتالي فمن يدفع الثمن هنّ النساء نتيجة تعطل إقرار مثل هذه القوانين والتي من شأنها توفير الحماية للنساء المعنفات".
اقرأ أيضاً: مملكة السم الأبيض تستهدف حتى المرأة
وتتابع: إنّ "الحقوق الاجتماعية والقانونية للمرأة الفلسطينية لن تراوح مكانها، واستطاعت العديد من النساء تحدي الأفكار النمطية والسياسات الحكومية وذكورية المجتمع وأصوليته، واستطاعت الحركات النسوية المساهمة في إحقاق حقوق النساء ووضع قضاياهن على أجندة الإعلام، وكان من نتاج هذه الحركات تحويل قضية إسراء غريب إلى قضية عالمية لمعاقبة المجرمين بالطرح الجريء الذي لا يساوم بين النضال النسوي والتحرر الاجتماعي".
وذكرت عواد أنّ "غالبية النساء المعنفات يرفضن البوح بمشاكلهن، وفضح العنف الذي يقع بحقهن، لعدم وجود من يدعم المرأة في العائلة الصغيرة أو الكبيرة، ويؤدي ذلك لأن تستمر دائرة العنف وإعطاء الشرعية لكل رجل بأن يتصرف بعنف تجاه من هو أضعف منه، حتى أصبحت المرأة بلا كيان أو وجود لها، في ظل عدم وجود أطر حماية لها وغياب الدعم العائلي عنها، وهذا يدفع المرأة للصمت عن طرح مشاكلها، إلى أن تصل لمرحلة لن تحتمل هذا الواقع، وقد تلجأ لأن تدفع حياتها ثمناً لذلك".
العنف جزء من ثقافة المجتمع
من جانبها، تقول مديرة مركز شؤون المرأة آمال صيام لـ "حفريات" إنّ "جرائم القتل تحت ما يسمى بجرائم الشرف ظاهرة تشكل خطراً كبيراً على حياة النساء الفلسطينيات؛ فمعظم النساء اللواتي تعرضن للقتل لأسباب مختلفة على خلفية شجار عائلي أو على قضايا الميراث تم عنونتها تحت جرائم الشرف".
وتبين أنّ "المجتمع ذكوري ويرى تعنيف النساء جزءاً لا يتجزأ من ثقافته ويبرر ويدعم استخدام العنف ضد الفتيات والنساء، ولا يعتبر المجتمع أنّ هذا السلوك هو خاطئ، وبالتالي فلن تكون المرأة المعنفة في المجتمع بنفس الأداء في بيتها وعملها، مقارنة بالمرأة التي تعيش حياة كريمة وسوية، وهذا من شأنه أن يهدد النسيج الاجتماعي ويفكك المجتمع".
وتطالب صيام بـ "الإسراع في إقرار قانون حماية الأسرة من العنف؛ لأنه في حال لم يتم معاقبة الجناة فلن يتم العدول عن هذه الظاهرة، وأن ما حدث مع الفتاة إسراء غريب لن يكون الحادثة الأولى ولا الأخيرة في المجتمع، والمطلوب هو إجراء تحقيق واضح وشفاف يعاقب المتورطين في هذه الجريمة".
0 تعليق على موضوع : بأي ذنب قُتلت الشابة الفلسطينية إسراء غريب؟
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات