أثبت الشباب الثائرون أن الحكمة لديهم والجهل لدى الجيل الذي سبقهم.. جيل "يعيش يعيش".
كثيرا ما نردد هذا الدعاء، فهل نخرج من بينهم سالمين؟ تتقاتل الخصوم في الوطن على السلطة وتحركهم جهات خارجية ليقتلوا بعضهم البعض، فما ذنب المواطن العادي الذي يدين بالولاء لوطنه فقط، ويطالب بخروج النفوذ الأجنبي من البلاد؟ وقد امتلأت شوارع العراق بجيل ما بعد 2003، عام الغزو الأميركي والايراني للعراق، وجاءوا الى الدنيا بفطرة سليمة وتلقوا العلوم في المدارس والجامعات وارتادوا الانترنت وتعرفوا على العالم الخارجي ليدركوا أن العالم يسير في اتجاه ووطنهم يسير باتجاه آخر، وأدركوا معنى التنوع والتعايش السلمي الذي لا تفهمه أميركا ولا ايران، فهبوا مطالبين بخروج الأجنبي من العراق، بمظاهرات سلمية تنشر المحبة وتطالب بإلغاء المحاصصة الطائفية وإنشاء حكومة للجميع ووطن للجميع، ليفاجئوا بوابل الرصاص يقطف زهرة شبابهم ويفجع أمهاتهم.
ثم يقتل قاسم سليماني فينتشر الرعب في العراق وليس في ايران، ويتأهب الماردان للصراع على أرض العراق وأرض العرب قاطبة. وهي سعير وقودها الشباب المؤمنون بالعلمانية وإفشاء السلام وفرض حكم القانون على الجميع من قبل حكومة لا تعترف بالدين ولا الطائفة ولا المذهب.
وفي ليبيا، يقتل 28 طالبا في كلية عسكرية لأن الحكومة استقوت بالقوى الدينية في الخارج وطفقت تقتل كل من يعارضها وجلبت قوات أجنبية تركية طامعة بإعادة أمجاد العثمانيين في بلاد العرب، ومن الذي يدفع الثمن؟ إنهم نفس الشباب في العراق ولكن بهوية ليبية.
ألم يحن الوقت لتقاعد الشيب وتسليم زمام الأمور للشباب الذي يتبنى ثقافة مختلفة عن ثقافة القتل والدمار والولاء للخارج، ويؤمن بتداول السلطة بين الحكومات المتخصصة التي تكرس نفسها لخدمة البلاد وتجعل ولاءها للداخل ولا تخون أوطانها باسم الدين؟
نحن والجيل الذي سبقنا لم نقدم لأوطاننا سوى الدمار والهزيمة، وعلينا أن نخلي الطريق لثقافة جديدة ودماء جديدة تعلمت ما لم نتعلمه نحن، من خلال الانترنت، فنحن تربية "يعيش يعيش يعيش" وهم تربية الرأي والرأي الآخر من قنوات إخبارية ونشطاء يروجون لمختلف الآراء والتوجهات في اليوتيوب، فصار لديهم صورة شاملة ومكتملة عن العالم وما يجري فيه، وصاروا يقارنون بين أصحاب مختلف العقائد والقناعات والرؤى، ويشاهدون من قادته مبادئه وقناعاته ومعتقداته الى الرفاه ومن قادته الى الفقر والفشل والضعف والجهل والتخلف، وقد فقدوا الثقة بالتراث الذي تعلموه من المناهج المفروضة عليهم، لأن مناهج الحياة أصدق وأوضح ولا تضلل ولا تكذب، وهي بسيطة ولا تحتاج الى مجلدات الفلسفة وعلم الكلام ودور الإفتاء، فهناك أنظمة حكم جلبت لشعوبها الأمن والرفاه وهناك أنظمة لا تزال تعيش في كهف أفلاطون وتحسب ظلاله هو الحقيقة المطلقة فزجت بالأوطان والشعوب الى الجحيم.
لطالما قلنا أن الحكمة عند الكبار وليس عند الصغار وقد أثبت الشباب الثائرون أن الحكمة لديهم والجهل لدينا، لأنهم فهموا الحياة على أرض الواقع ونحن فهمناها من قصص وخطابات حنجورية وتحالفنا مع الخارج، لكنهم يرفضون هذه التحالفات والولاءات سوى للأوطان وشعوبها فقط.
الأحد 2020/01/05
0 تعليق على موضوع : اللهم اضرب الظالمين بالظالمين // سهى الجندي
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات