الملاحظ أن رؤساء حكومات في الدول التي تحترم نفسها يستقيلون من مناصبهم إذا وقعت كوارث أصغر من كارثة غرق عبّارة الموت في الموصل، إلا في العراق.
في العراق الذي تمر فيه أكبر الكوارث يبقى المسؤول في مكانه
كأنّ الموت استوطن مدينة الموصل، ففي الوقت الذي مازال الكثير من جثث أبنائها تحت أنقاض بيوتهم المهدمة عليهم تأتي عبارة الموت لتخطف أرواح العشرات من شبابها وأطفالها ونسائها، ولن تجد سببا للحادثة غير الفساد المستشري في العراق كله، والذي تعاني منه الموصل منذ أن حلّت فيها الميليشيات الإيرانية وميليشيات الحشد “المقدس”.
وفي الوقت الذي كان المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، اللواء سعد معن، يعلن الخميس، ارتفاع حصيلة ضحايا غرق العبّارة التي تقل عائلات في نهر دجلة في مدينة الموصل إلى 71 شخصا، غالبيتهم من النساء والأطفال، كان العدد يتزايد إلى أن وصل المئة.
وهكذا أصبحت الموصل أجسادا تحت الركام، وأخرى تطفو فوق نهر دجلة الحزين.
وكانت العبّارة تقل نحو مئتي شخص إلى جزيرة أم الربيعين السياحية، وغرقت وسط النهر جرّاء الحمولة الزائدة، في حين أن قدرتها الاستيعابية تبلغ خمسين شخصا فقط، وذلك ما أكده مدير دائرة الدفاع المدني لمحافظة نينوى العقيد حسام خليل.
ولا يمكن فهم أن يكون في مدينة كبيرة مثل الموصل مشروع سياحي مهمّ مثل جزيرة أم الربيعين السياحية، وترتبط مع شاطئ نهر دجلة من ضفته الشرقية (الأيسر) بعبّارتين للذهاب والإياب، إذ ترتبط هاتان العبّارتان بأسلاك فولاذية على جانبي النهر والجزيرة، وتكون إمكانيات الدفاع المدني والآليات المتوفرة لديه قليلة؟
وكانت المئات من العائلات الموصلية خرجت في رحلات سياحية منذ صباح الخميس إلى جزيرة أم الربيعين السياحية، بهدف التنزه في العطلة الرسمية في العراق بمناسبة أعياد النوروز.
ووسط تضارب المعلومات عن سبب غرق العبّارة، قررت محكمة تحقيق الموصل توقيف 9 من العمّال المسؤولين عن العبّارة، وأصدرت مذكرة قبض بحق مالك العبّارة ومالك الجزيرة وأوعزت إلى جهات التحقيق بسرعة تنفيذها، بطلب من رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، الذي أمر المحاكم المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتسببين بغرق العبّارة.
وفي حين يرجع بعضهم السبب إلى انقطاع أحد الأسلاك المثبتة بأحد الأعمدة المسؤولة عن سحبها وتثبيتها، الأمر الذي أدى إلى غرقها، أرجعه مدير الجزيرة السياحية في الموصل إلى “زيادة إطلاق المياه من سد الموصل”، وآخرون قالوا إن السبب هو ارتفاع منسوب مياه النهر جرّاء تساقط كميات كبيرة من الأمطار خلال الأشهر الأخيرة، في وقت قال آخرون إن السبب هو غياب هيبة الدولة وضعف تطبيق القانون وسيطرة أصحاب الفساد والاستبداد المالي والإداري، متهمين مستثمر الجزيرة بإصداره توجيهات لسائقي العبّارات بتحميلها فوق طاقتها الاستيعابية للاستفادة من أموال حشود الناس المتجمهرة هناك للاحتفال بأعياد النوروز.
وطالب موصليون بإقالة محافظ نينوى وإحالة المسؤولين إلى القضاء، وإعلان الحداد في العراق، وقالوا إن ذلك أقل شيء نقابل به ذوي الشهداء.
وبالفعل دعا ناشطون إلى تظاهرة حاشدة في منطقة الغابات قرب الجزيرة السياحية، الجمعة، للمطالبة بمحاسبة الحكومة المحلية والجهات المسؤولة عن المرافق السياحية وإدارة الجزيرة السياحية وكل طرف مقصّر أو متهاون، داعين مديرية الوقف السني إلى تنظيم صلاة الغائب على أرواح الضحايا، في مكان الاحتجاج، ونقابات المحامين والصحافيين والمعلمين والنقابات المهنية الأخرى إلى المشاركة في التظاهرة.
وأصدروا بيانا قالوا فيه إن الجريمة المرتكبة في حادثة غرق العبّارة هي فعل قتل عمد ينطبق على أحكام المادة 405 من قانون العقوبات وبدلالة المادة 34 الفقرة ب من القانون نفسه، إذ أن صاحب المنتجع ومشغلي العبّارة يعرفون طاقة العبّارة وهم على علم بارتفاع منسوب المياه لكنهم قبلوا بالمخاطرة وتشغيل العبارة، مما جعل فعلهم جريمة قتل عمد مكتملة الأركان.
الملاحظ أن رؤساء حكومات في الدول التي تحترم نفسها يستقيلون من مناصبهم إذا وقعت كوارث أصغر من كارثة غرق عبّارة الموت في الموصل، إلا في العراق الذي تمر فيه أكبر الكوارث ويبقى المسؤول في مكانه وتسجل الكارثة ضد مجهول، أو قضاء وقدرا.
السبت 2019/03/23
د. باهرة الشيخلي
كاتبة عراقية
د. باهرة الشيخلي
كاتبة عراقية
0 تعليق على موضوع : عيد نوروز ينقلب إلى مأتم
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات