2 ديسمبر 2017
قرأتُ سطورًا كتَبَتْها زميلة إعلامية على «الفيس بوك» ترثى فيها الراحلةَ الغالية الفنانة شادية (رحمها الله)، وتقول فيها إن «شادية ماتت من زمان»، وأكملت توضِّح أن الموت كان فى توقُّفِها عن الغناء، بعد لقائها الشهير مع الشيخ الشعراوى (مصادفةً) فى السعودية، ثم تحسِمُ الزميلة التى تتباهى بعلمانيتها (بمبالغة غير معلومة الأسباب)، وتقول بشكل مباشر: «لقد أسهَمَ ذلك الرجل فى إخراس أصوات فنية عديدة»،
رغم رداءةِ الجملةِ وضعفِها البلاغى، فإنها حمَلَتْ فى سياقِها المعنى (التعيس) والمغلوط الذى تريد أن تنقله، والذى تلقَّفَهُ آخرون من أصدقائها وأيدوه بحماس، فحصد «البوست» علامات الإعجاب التى تُشبِع غريزة رواد التواصل الاجتماعى، وتمنح ما يكتبونه مصداقيةً تتسلَّل إلى العقول.
لستُ أهلاً للدفاع عن رجل بقيمة الشيخ محمد متولى الشعراوي؛ فالرجل له تلاميذ ومريدون ومحبون، بعضهم عاصروه، وبعضهم سمعوا منه، وتعلموا على يديه، وبعضهم درسوا تاريخَه ونهلوا من علمه الغزير فى التفسير القرآنى، وللرجل مواقف كثيرة خارج الإطار الدينى، أصاب فى أغلبِها وأخطأَ فى بعضها، ولا شكَّ أن له دورًا (غير مباشر) فى ابتعادِ عددٍ قليلٍ من نجوم الفن، كما كان له دور بارز فى تنامى شركات توظيف الأموال، التى راح ضحيَّتَها آلافُ المصريين فى ثمانينيات القرن الماضى، وفقدوا كل مدخراتِهِم فى متاهة «المعاملات الإسلامية»، الفكرة التى تبناها الشيخ ودعمها بقوة، واستغلَّهَا تُجَّار الدين وربحوا الملايين.
لا أكتب لأهاجم زميلةً عزيزةً، بل لأدافع عن نجمة وفنانة كبيرة هى «الست شادية» التى وعينا عليها تغنى «سيد الحبايب.. يا ضنايا أنت»، وحلمنا جميعًا بأن نكون الطفل الذى تمنحه كل هذا الحب والحنان، ثم كانت فى مراهقتنا هى «الدلوعة الطيبة»، التى نتمنى أن نصادفها فى الجامعة ونبدأ معها قصة حب، تنتهى بدفء قصتها المعروفة مع الراحل صلاح ذو الفقار.. بالزواج، حيث شَكَّلا بعده ثنائيًّا فنيًّا رائعًا، وقدَّما أجمل قصص الحب فى زمن الستينيات، زمن التدفُّق الثورى فى المشاعر والأفكار والأحلام، الذى انتهى بهذا الجيل إلى محطة «الأحلام الضائعة»، التى أربكت شيخنا الجليل لدرجة جعلته يسجد شكرًا عقِبَ هزيمة يونيو عام 1967 (وله ما يبرِّره).
شادية هى الابنة الشرعية لهذا العصر بكل تناقضاته، وصَلَتْ إلى قمةِ النضج الفنيِّ وقدَّمَتْ فيه أروع وأهمَّ أفلامها فى تاريخ السينما، وفى الغناء شَدَتْ بأعذب الكلمات وأجمل الألحان، وأكدت بأغنياتها الخالدة فى وجداننا على تميزها كصوت غنائى مختلف ومؤثر بين جيل العظماء.
ونجمتنا الراحلة وغيرها من النجوم (خصوصًا السيدات) فى كل العصور والأزمنة يصلون إلى مرحلة سنِّيَّة حرجة، مع الانسحاب التدريجى للأضواء والشهرة والجماهير من حولهم، يكفى أن نتأمل نماذج مثل فاطمة رشدى وليلى مراد وسعاد حسنى، وغيرهن. وكيف كانت صفحة النهاية فى حياة كل منهن.. وقد عايشت صاحبة أغنية «يا حبيبتى يا مصر» عشرات القصص الحزينة، وشاهدت نهاياتٍ مزعجةً ومهينةً لبعض زملائها فى الوسط الفنى، فاختارت عن قناعة هذا «العالم الخاص» الذى عاشته فى سنوات حياتها الأخيرة، لتصون نفسها وتنجو من محنة الخاتمة.
شادية نموذج مختلف، لا علاقة له بـ«موضة» توبة الفنانين التى تزامنت مع انسحابها من عالم الفن؛ فهى حالة استثنائية للإيمان الخالص لوجه الله تعالى، وقد عبرت عنها بصدق فى آخر أغنياتها «خد بإيدي» التى تغنَّت بها فى حفل الليلة المحمدية عام 1986 فى آخر ظهور فنى لها، حيث قالت: «جه حبيبى وخد بأيدى، قلت له أمرك يا سيدى.. أمرك يا سيدي».
رحم الله الفنانة شادية، الحاضرة فى كل لحظات حياتنا، الباقية معنا بصوتها الطيب وتاريخها الفنى الممتع.
0 تعليق على موضوع : كيف تسبب الشعراوى فى موت شادية؟! - بقلم : محمد مصطفي أبوشامة
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات