أعمى غرور القوة خامنئي وأردوغان كما أصاب، قبلهما، حكاما مجانين كثيرين كانت نفوسهم مريضة، وشخصياتهم ضعيفة، ولا يعرفون ماذا تفعل الشعوب بظالميها ومُجوّعيها إذا ما فاض كيلها.
الجمعة 2019/12/20مخلصان للتاريخ الغارق في الدماء
أمور عديدة توحد بين الخليفة (السني) رجب طيب أردوغان والخليفة (الشيعي) علي خامنئي. وأمورٌ عديدة أخرى، أيضا، تفرق بينهما، وتجعلهما خصمين لدودين يسعى كل منهما إلى الفتك بعدوه، رغم أن كلّا منهما مضطر لمناصرة الآخر، أحيانا، حين يكون الخطر الذي يهدد وجودهما واحدا، أيّا كان دينُه وجنسه وطائفته، داخليا كان أو خارجيا، سواء بسواء.
فالمعروف أن العنصرية القومية هي المُفرِّق بينهما، والمُشعل لنيران الحروب الدامية بين الفرس والعثمانيين التي كانت تدوم طويلا، ثم تنتهي بخسارة أحد المتقاتليْن، وباحتلال بلاده وإذلال شعبه لعشرات أو مئات السنين.
ويخبرنا التاريخ بأن المذهب في جميع تلك الحروب القومية العنصرية بينهما، كان الغلافَ المفضل الظاهري الذي كان يغطي به أجدادُهما تلك الحروب.
ثم مرت على المنطقة مئاتٌ من السنين، من أيام دولة الخلافة الإسلامية الأولى والدولة الأموية ثم العباسية، دون أن يستطيع الدين الواحد أن يذيب العداوة القومية والمذهبية بين الفرس المسلمين، والترك المسلمين، إذ كانت المشاحنات والمعاكسات والمناوشات والمؤامرات لا تتوقف بين الفريقين.
خامنئي وأردوغان لا يقرآن التاريخ ولا يتأملان الجغرافيا، ولا يريدان أن يتعلما من النكسات والاحتقانات والثورات المعاكسة التي تشتعل ضدهما في الخارج، وفي عقر دار كلّ منهما
وحين حوَّل إسماعيل الصفوي إيران من المذهب السني إلى الشيعي في العام 1501 أصبح العداء علنيا ومسلحا بين الدولتين، خصوصا بعد قيام الصفوي باحتلال غرب إيران وأذربيجان وأرمينيا وأجزاء أخرى من أملاك الدولة العثمانية التي أسسها عثمان الأول سنة 1299.
ومنذ سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وانتهاء احتلالها للبلاد العربية والإسلامية ومنها إيران، والحكومات الإيرانية المتعاقبة والحكومات التركية المتتابعة في صراع وخلاف واحتراب معلن، أحيانا، ومَخفيٍّ أحيانا أخرى.
من هذا السرد التاريخي المختصر يمكن القول إن الولي الفقيه الإيراني خامنئي والسلطان العثماني أردوغان، وهما المختلفان مذهبيا وعنصريا ومصلحيا، وفي الوقت نفسه هما متشابهان في أمور عديدة منها؛ أنهما الوريثان المخلصان لذلك التاريخ الغارق في الدماء، والطامحان المُستقتِلان من أجل إعادة الزمن إلى الوراء، وإحياء إمبراطورية الآباء والأجداد، بقوة وإصرار، وأن كلّا منهما يريد أن يقضي على الآخر ليصبح هو وحده خليفة المسلمين، وأن كلّا منهما، أيضا، يسعى لقضم نفس الفريسة وضمها لأملاك إمبراطوريته الوليدة، والمتمثلة في دول المنطقة العربية، سوريا والعراق ولبنان ومصر وليبيا واليمن وفلسطين. وما حدث في سوريا بين الخصمين الحليفين من معارك دامية، بواسطة وكلائهما وعملائهما وجواسيسهما، شاهدٌ على ذلك.
ولكن الملاحظ أنهما، رغم كل ما يختزنه كلٌ منهما من ضغينة وبغضاء لصاحبه، يلتقيان ويتعاونان ويتحالفان حين تحكم المصالح العاجلة.
ألا تراهما صديقين أليفين يلتقيان في الدوحة ويتحالفان مع الريال القطري ومع الإخوان المسلمين والقاعدة والدواعش ضد أعدائهما في العراق وسوريا ومصر واليمن والخليج العربي ولبنان؟
والذي يشترك فيه كلاهما، ويوحد بينهما، هو عمى بصريهما وبصيرتيهما، والذي يصور لهما أن احتضان الفاشلين والمكروهين والفاسدين، وتسليحهم وتمويلهم والمراهنة عليهم هو الذي سوف يعينهم على احتلال الدول الآمنة ونهب خيراتها وإذلال شعوبها.
فالخليفة الإيراني متخصص في احتضان الإرهابيين، شيعة وسنة، وفي حماية تجمعاتهم وأحزابهم وميليشياتهم المتمرسة في القتل والحرق والاغتيال والاختلاس، في العراق ولبنان وسوريا واليمن وفلسطين، حتى وهو يعلم علم اليقين بأنهم مكروهون من العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين والفلسطينيين.
وثوراتُ الجماهير الغاضبة في العراق ولبنان وسوريا واليمن دليلٌ على أن وكلاءه، بفسادهم وفشلهم وجرائمهم، تحولوا إلى سبب لاشتعال غضب الجماهير، لا عليهم فقط، بل على وليّهم نفسه، قبل سواه.
ورغم هزائمه في الخارج، ومآزقه في الداخل، ما زال يراهن على الخيول الخسرانة ذاتها، ويخسر الرهان.
رغم كل ما يختزنه كلٌ منهما من ضغينة وبغضاء لصاحبه، يلتقيان ويتعاونان ويتحالفان حين تحكم المصالح العاجلة
وأردوغان هو الآخر، كالولي الفقيه، خبير وشاطر في صناعة الأعداء والحاقدين. فها هو من هزيمة إلى هزيمة، في الداخل والخارج، معا، ولا يتّعظ ولا يعتدل ولا يراجع نفسه قبل فوات الأوان.
فقد راهن بالأمس على الإخوان المسلمين في مصر وسوريا والعراق وفلسطين، وأنفق عليهم أطنانا من أموال الشعب التركي، ثم سقطوا وسقط معهم في مصر وفي سوريا والعراق وفلسطين.
وها هو اليوم يقفز عبر البحار البعيدة ليحمي هياكل آيلة للسقوط في ليبيا، متوهما بأنه قادر على أن يحيي العظام وهي رميم، وبأنه سيَنصُر عصابات الإرهاب الإسلامي على شعبها، ويعينها على حكم ليبيا، طمعا في خيراتها، ورغبة في محاصرة مصر وإسقاطها، والقفز منها إلى دول جوارها، تماما كما فعل حليفه الإيراني حين أراد الالتفاف على السعودية بتحريك وكلائه الحوثيين. وكما احتل العراق وجعله قاعدة لانطلاقه نحو سوريا ولبنان وفلسطين.
وكما كانت النتيجة في اليمن والعراق ولبنان للخليفة الشيعي، فسوف تكون هي نفسَها للخليفة السني في ليبيا وسوريا والعراق وفلسطين.
إنهما لا يقرآن التاريخ ولا يتأملان الجغرافيا، ولا يريدان أن يتعلما من النكسات والاحتقانات والثورات المعاكسة التي تشتعل ضدهما في الخارج، وفي عقر دار كلٍّ منهما.
لقد أعمى غرور القوة كليهما كما أصاب، قبلهما، حكاما مجانين كثيرين كانت نفوسهم مريضة، وشخصياتهم ضعيفة، ولا يعرفون ماذا تفعل الشعوب بظالميها ومُجوّعيها إذا ما فاض كيلها، وعيل صبرها والأمثلة كثيرة ولا تعد.
0 تعليق على موضوع : خامنئي وأردوغان المتحاربان المتحالفان // ابراهيم الزبيدي
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات