شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

انقلاب في معادلة الاستقواء بالخارج في احتجاجات الجزائر والسودان


مهما حقق البعض من فوائد سياسية في النزاعات التي نشبت في المنطقة، فنتائجها كارثية على الحكومات والشعوب، وغير مطمئنة لبعض القوى الكبرى.


يندرج ما يحدث في كل من السودان والجزائر، وربما في قطاع غزة الفلسطيني، ضمن الإطار العام لموجة ثانية من ثورات الربيع العربي.

يتعلق أحد الملامح البارزة لهذا الاستنتاج بمحاولة الحكومات التفاهم مع قوى خارجية مؤثرة، بينما كانت الأخيرة المتهم الأول في الموجة الأولى، التي شهدتها تونس ومصر وسوريا واليمن قبل نحو ثمانية أعوام، ومن قبلها ما جرى في العراق. 

سادت عبارات التواطؤ والتآمر الخارجي وإسقاط الأنظمة الخطاب الرسمي العربي في الدول التي مرت بثورات وانتفاضات. وراج تحريض غالبية قوى المعارضة للدول الكبرى على التدخل لإنقاذها من سلطة أنظمة طال حكمها، وبدت بصمات الدور السياسي والإعلامي والحقوقي المؤيد للمتظاهرين واضحة، في حين جاءت بعيدة عن ذلك في المناطق العربية التي تشهد احتجاجات حاليا ضد الحكومات.

فطن النظام السوداني مبكرا لهذه المعادلة، وحاول العزف على وتر خطاب ردده النظام المصري وإعلامه، إبان عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأعاد اللعب على حديث المؤامرة، لكنه لم يجد صدى جيدا على أي من المستويات الجاذبة إليه، ولم يقدم الأدلة الكافية لاتهاماته، واضطر إلى تجنب ترديد هذه السيمفونية، وراح يستجلب ود بعض القوى لمساعدته اقتصاديا وسياسيا على الخروج من محنته المركبة.

بدأ النظام الجزائري في تبني خطوات قريبة من ذلك، لكنها أكثر سرعة مما قام به النظام السوداني، لأن أزمته سياسية وليست اقتصادية، وأهميته الإستراتيجية تفوق السودان، كما أن التداعيات ستكون مباشرة على المصالح الغربية، ما يجعله مرشحا أكثر للتدخل الخارجي، إذا تفاقمت المشكلات.

بعثت المؤسسة العسكرية الجزائرية من ينوب عنها إلى بعض العواصم في الغرب والشرق. وأرسلت إشارات في اتجاهات عدة، بغرض طمأنة قوى متعددة، ومحاولة الحصول على تأييدها للخطوات المقبلة، وكلها حوت رغبة في عدم الصدام مع الدول المؤثرة في المجتمع الدولي، وعدم توفير المبررات التي توفر بيئة صالحة لتدويل الأزمة.

جاءت مواقف المتظاهرين هذه المرة عكس الموجة الأولى، تستنكر الرسائل الخارجية الرسمية، وترفض بجلاء أي نوع من التدخلات في سياقاتها المحلية، سواء في الجزائر أو في السودان، وتشدد على أن المحتجين، بفئاتهم وأطيافهم وألوانهم، لا يريدون تدخلا في تطورات بلدانهم. وحتى حركة حماس التي تحكم قطاع غزة، لا تخلو تصورات قياداتها من رسائل تطمين لقوى إقليمية ودولية معينة، ترمي إلى الحصول على رضاها، ومنع التوظيف السياسي لما يحدث من تظاهرات ذات أهداف متشابكة.

من الصعوبة القطع بحجم الدور الذي لعبته التدخلات الخارجية في الموجة الأولى، وقدرتها بمفردها على هز عروش بعض الأنظمة العربية، لكن من السهولة القطع بأن هناك اهتماما كبيرا بما حدث، ورهانات على إعادة هندسة الخارطة السياسية في المنطقة العربية، وهو ما تبلور في شكل مساعدات معنوية للمعارضين والمتظاهرين، والضغط على الحكومات لرفع الأيادي عن ممارسة العنف ضد المحتجين، ثم الانخراط بأشكال متباينة في الأزمات، بما فيها التدخل عسكريا أو التهديد به.

راكمت هذه الفترة تصورات لدى بعض الحكومات، ورشحت عنها استنتاجات ذهبت إلى أن الخطر الخارجي أخطر من الداخلي، وعزف من تجاوزوا الانعكاسات السلبية الكبيرة للموجة الأولى على مخاطر الأدوار الخارجية، وانتشر حديث المؤامرة على نطاق واسع، إلى الدرجة التي أصبحت فيها ثورات الموجة الأولى مرادفا له، الأمر الذي وجدت فيه بعض الحكومات بابا للتشكيك في الانتفاضات عموما، وربطها دوما بالمؤامرة.

قادت نتائج هذه الموجة إلى نتيجتين متناقضتين، الأولى أن الأنظمة أصبحت على يقين من أن التأثيرات الخارجية تمنح التحركات الداخلية حياة تمدها بينابيع متجددة، ومن الضروري استقطاب أصحابها، أو على الأقل تحييدهم، ونزع الذرائع التي تمكنهم من الاقتراب، ما يفسر هدوء الكثير من تحركات السودان والجزائر وخطب الود على هذا الصعيد، ومحاولة تجنب الصدام مع القوى الفاعلة إقليميا ودوليا.

أما النتيجة الثانية، فهي تخص القوى المحتجة، والتي رأت أن تماهيها مع مواقف خارجية دليل إدانة لها وليس جلبا لقوة مضاعفة. ويدرك المتابعون للمعالم الأولية للموجة الثانية من الانتفاضات العربية، أن توجهات الحكومات تنطوي على رغبة في التحييد أكثر منها محاولة للحصول على دعم مباشر بالتأييد من جهات خارجية. ويعي هؤلاء أن قوى المعارضة ترفض تكثيف الشبهات التي تقلل من أهمية الحراك العام، وتمتنع عن التجاوب مع الخطابات المعلبة أو المستوردة، حتى لو كانت عادلة، بل إن معظم قوى الخارج لم تظهر حماسا كبيرا للتفاعل مع ما يدور في السودان والجزائر، وما يجري في غزة له خصوصية مختلفة، لكنها قد تكون متقاربة في روافدها النهائية.

كشفت تطورات الموجة الأولى من الحراك العربي أن المعادلة صفرية بامتياز، بمعنى إذا ربحت الحكومة يخسر المحتجون، والعكس صحيح، بينما الوضع الراهن، أي الموجة الثانية، يميل إلى نفي هذه المسألة. وفتحت بعض التطورات الإيجابية المأخوذة من دروس ماضوية، المجال للتفاهم والبناء على ما يمكن اعتباره قواسم متقاربة بين الجانبين، لأن تطبيق المعادلة السابقة سوف يؤدي إلى خسارة للدولة الموحدة.

أدت المساندة الخارجية للمتظاهرين في الموجة الأولى إلى تدهور الأوضاع في دول مثل سوريا وليبيا واليمن، واهتزازها إلى حد الخطر وبنسب مختلفة في كل من تونس ومصر، وتسعى الحكومات إلى تفادي هذا المصير المؤلم، وتعتقد أن تأمين جبهة القوى الخارجية وعدم المساس بمصالحها العنصر الأساسي للحفاظ على الأمن والاستقرار.

لم تعد قوى عديدة في الجبهة الخارجية راغبة في ممارسة تدخل مباشر وكبير، على غرار ما حدث في ليبيا، أو تقديم أنواع مختلفة من الدعم السياسي لقوى المعارضة، كما حدث في سوريا، كمدخل لتغيير الأنظمة الحاكمة، ولا حتى تريد تقديم مساندة مادية ومعنوية لحكومتي السودان والجزائر، خوفا من التورط في مستنقعات حافلة بالصراعات الخفية.

وتكاد تكون تركت الأمور لتطوراتها الطبيعية، لأنها لم تعد مهتمة بإعادة رسم الأوضاع الداخلية، أو بكلام آخر لا تملك المشروع الناجح لضمان تحقيق أهدافها دون خسائر مباشرة، في ظل الانشغال بأزمات متناثرة على طول وعرض خارطة العالم، وسيولة شديدة لا تضمن السيطرة على مفاتيحها، بما يحقق أغراضها.

لدى حكومات وشعوب المنطقة العربية وبعض القوى الدولية مخاوف من الوصول إلى أي من سيناريو سوريا وليبيا، وهما يمثلان نموذجين سافرين للتدخل الخارجي، قبل وبعد ظهور الحراك، وأخفقت معظم الأهداف الإستراتيجية التي كانت كامنة في الرؤى التي طرحت لكل منهما، وبقيت امتداداتها الغامضة، ما يؤكد عدم القدرة على التحكم في العناوين الرئيسية للصراعات الإقليمية.

مهما حقق البعض من فوائد سياسية في النزاعات التي نشبت في المنطقة، فنتائجها كارثية على الحكومات والشعوب، وغير مطمئنة لبعض القوى الكبرى، وتدفع إلى عدم تبني تكرارها وتحاشي تهيئة الأجواء التي تفضي إليها، واتخاذ ما يلزم من إجراءات كي لا يطل شبحها، من قريب أو من بعيد، على السودان والجزائر، أو غيرهما من الدول المرشحة للدخول في التجربة.

كاتب الموضوع

شبكة الدانة الاعلامية

0 تعليق على موضوع : انقلاب في معادلة الاستقواء بالخارج في احتجاجات الجزائر والسودان

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017