تحول شهر جانفي من كل سنة منذ 2011 الى مناسبة شبه قارة للاحتجاج سواء ضد الواقع الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي بالبلاد. لكن لهذه السنة وصفة خاصة تذكرنا بنهاية سنة 2012 حين وصل التحريض الى أقصى درجاته.
تشهد تونس خلال هاته الأيام وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي انقساما ملحوظا بين الداعمين للاحتجاجات ضد الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعارضين لهم. وما ساهم في تغذية الانقسام والرفع من نسبة التوتر هو وجود ماكينات من الجهتين تشتغل على مزيد تعميق الهوة بين التونسيين.
صراع افتراضي بالعملة الصعبة
تحولت مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات الى الفضاء «الأمثل» بالنسبة للسياسيين في تونس للتعبير عن مواقفهم وتوجهاتهم حتى أن تواجد بعض الأطراف أصبح يتلخص في مشاركاته في تلك المواقع فقط ولا علاقة لأغلبهم بالعمل السياسي الميداني.
وفي هذا السياق حتى الصراعات السياسية أصبحت تدار في تلك المواقع وظهرت ماكينات «فايسبوكية» للعديد من الأطراف هدفها الوحيد «تركيع» الخصوم السياسيين افتراضيا. وليس هذا حكرا على أطراف السلطة وإنما المعارضة أيضا لها نصيب كبير فيه.
ولاكتشاف تلك الظاهرة ليس على القارئ إلا ان يدخل إلى تلك المواقع ليكتشف الكم الهائل من النصوص التي تم تمويلها بالعملة الصعبة لتلقى رواجا وهميا بمئات الآلاف أو الملايين من المتصفحين الافتراضيين في كثير من الأحيان.
وكان ملحوظا خلال الأيام القليلة الماضية ان كل أطراف الأزمة السياسية في تونس أنفقوا أموالا طائلة من اجل دعم كتائبهم الفايسبوكية ومن أجل الترويج لمواقفهم من الكثير من المسائل مثل الدعوات الى الخروج الى الشارع او السترات الحمراء او الصفراء او تحركات الأساتذة او الإضراب العام وحتى قضية انتحار صحفي مصور في القصرين تحولت الى ملف لتلك المزايدات.
من المنطقي هنا ان يتساءل المواطن ما طبيعة هذا الصراع؟ وهل هو صراع برامج وأفكار ومقترحات ام انه مجرد محاولات لتشويه الخصوم وتحويل وجهة المواطنين عن قضاياهم الحقيقية وادخالهم في متاهات لا علاقة لها بمشاغلهم او مشاكلهم؟
طبيعة الصراع
كما يجب ان نتساءل هل ان لهذا الصراع حدودا وأخلاقيات أم انه مواصلة في الانحدار بالخطاب السياسي؟ وهو بعيد كل البعد عن الاخلاق التي يجب ان يتحلى بها أفراد النخبة السياسية في البلاد وبالتالي يصبح هدفهم الاقناع بمواقفهم وليس اسقاط الخصوم فقط.
وفي هذا الإطار يمكن ان نؤكد ان ما تروجه الكتائب الفايسبوكية سواء الداعمة للحكومة او المعارضة لها وبالتالي داعمة للاحتجاجات بعيد كل البعد عن الخطاب السياسي الحامل لمشروع ويرتكز أساسا على تشويه الخصوم بدل المحاججة وإظهار النقائص في عملهم فلا تجد صفحة ممولة داعمة للحكم تقدم أخطاء المعارضة او من يدعمون الاحتجاجات ضد سياسات الحكومة. وإنما يتم التركيز فيها على الحياة الشخصية للمعارضين كما تروج الإشاعات حتى من داخل دوائر الحكم وانخرط فيها حتى نواب في البرلمان.
وفي المقابل فإن الصفحات التي تعارض الحكومة وتطالب بالاحتجاج ضدها لم تقدم في نصوصها الممولة برنامجا واضحا وتقييما موضوعيا لأداء الحكومة أو لمشاغل المواطنين. واستغرقت هي أيضا في القدح والسب.
لقد وصل الأمر في كثير من الأحيان -وهو نتيجة عمليات الشحن- إلى المطالبة بقتل أحد المعارضين او المشاركين في الدعوة الى الاحتجاج وهذا موثق مثلما تمت الدعوة في كثير من الصفحات إلى الحرق والنهب والعصيان ولعها نتيجة طبيعية لغياب العقلاء وتقديم الهواة ليشحنوا الناس ضد بعضهم البعض دون دراسة تبعات تلك الممارسة.
ربما حان الوقت ليتوقف هذا النزيف فعمليات تشويه الاحتجاجات أصبحت اليوم مكشوفة للجميع مثلما هي محاولات الركوب على مشاكل الناس من أجل التدمير، كان يمكن للأموال التي أنفقتها الكتائب الموالية للحكومة او للأطراف الداعمة لها وكذلك الكتائب المعارضة لها ان تحل الكثير من مشاكل هذا الشعب لكن فضلوا ان تصرف في الدفع نحو جانفي خطير قد يكون أصعب بكثير من جانفي 2011.تونس (الشروق) ـ
عبد الرؤوف بالي
صراع افتراضي بالعملة الصعبة
تحولت مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات الى الفضاء «الأمثل» بالنسبة للسياسيين في تونس للتعبير عن مواقفهم وتوجهاتهم حتى أن تواجد بعض الأطراف أصبح يتلخص في مشاركاته في تلك المواقع فقط ولا علاقة لأغلبهم بالعمل السياسي الميداني.
وفي هذا السياق حتى الصراعات السياسية أصبحت تدار في تلك المواقع وظهرت ماكينات «فايسبوكية» للعديد من الأطراف هدفها الوحيد «تركيع» الخصوم السياسيين افتراضيا. وليس هذا حكرا على أطراف السلطة وإنما المعارضة أيضا لها نصيب كبير فيه.
ولاكتشاف تلك الظاهرة ليس على القارئ إلا ان يدخل إلى تلك المواقع ليكتشف الكم الهائل من النصوص التي تم تمويلها بالعملة الصعبة لتلقى رواجا وهميا بمئات الآلاف أو الملايين من المتصفحين الافتراضيين في كثير من الأحيان.
وكان ملحوظا خلال الأيام القليلة الماضية ان كل أطراف الأزمة السياسية في تونس أنفقوا أموالا طائلة من اجل دعم كتائبهم الفايسبوكية ومن أجل الترويج لمواقفهم من الكثير من المسائل مثل الدعوات الى الخروج الى الشارع او السترات الحمراء او الصفراء او تحركات الأساتذة او الإضراب العام وحتى قضية انتحار صحفي مصور في القصرين تحولت الى ملف لتلك المزايدات.
من المنطقي هنا ان يتساءل المواطن ما طبيعة هذا الصراع؟ وهل هو صراع برامج وأفكار ومقترحات ام انه مجرد محاولات لتشويه الخصوم وتحويل وجهة المواطنين عن قضاياهم الحقيقية وادخالهم في متاهات لا علاقة لها بمشاغلهم او مشاكلهم؟
طبيعة الصراع
كما يجب ان نتساءل هل ان لهذا الصراع حدودا وأخلاقيات أم انه مواصلة في الانحدار بالخطاب السياسي؟ وهو بعيد كل البعد عن الاخلاق التي يجب ان يتحلى بها أفراد النخبة السياسية في البلاد وبالتالي يصبح هدفهم الاقناع بمواقفهم وليس اسقاط الخصوم فقط.
وفي هذا الإطار يمكن ان نؤكد ان ما تروجه الكتائب الفايسبوكية سواء الداعمة للحكومة او المعارضة لها وبالتالي داعمة للاحتجاجات بعيد كل البعد عن الخطاب السياسي الحامل لمشروع ويرتكز أساسا على تشويه الخصوم بدل المحاججة وإظهار النقائص في عملهم فلا تجد صفحة ممولة داعمة للحكم تقدم أخطاء المعارضة او من يدعمون الاحتجاجات ضد سياسات الحكومة. وإنما يتم التركيز فيها على الحياة الشخصية للمعارضين كما تروج الإشاعات حتى من داخل دوائر الحكم وانخرط فيها حتى نواب في البرلمان.
وفي المقابل فإن الصفحات التي تعارض الحكومة وتطالب بالاحتجاج ضدها لم تقدم في نصوصها الممولة برنامجا واضحا وتقييما موضوعيا لأداء الحكومة أو لمشاغل المواطنين. واستغرقت هي أيضا في القدح والسب.
لقد وصل الأمر في كثير من الأحيان -وهو نتيجة عمليات الشحن- إلى المطالبة بقتل أحد المعارضين او المشاركين في الدعوة الى الاحتجاج وهذا موثق مثلما تمت الدعوة في كثير من الصفحات إلى الحرق والنهب والعصيان ولعها نتيجة طبيعية لغياب العقلاء وتقديم الهواة ليشحنوا الناس ضد بعضهم البعض دون دراسة تبعات تلك الممارسة.
ربما حان الوقت ليتوقف هذا النزيف فعمليات تشويه الاحتجاجات أصبحت اليوم مكشوفة للجميع مثلما هي محاولات الركوب على مشاكل الناس من أجل التدمير، كان يمكن للأموال التي أنفقتها الكتائب الموالية للحكومة او للأطراف الداعمة لها وكذلك الكتائب المعارضة لها ان تحل الكثير من مشاكل هذا الشعب لكن فضلوا ان تصرف في الدفع نحو جانفي خطير قد يكون أصعب بكثير من جانفي 2011.تونس (الشروق) ـ
عبد الرؤوف بالي
0 تعليق على موضوع : تتزايـــد كلّ يـــــوم:مَن يُشعل نار الاحتجاجات ؟ / بقلم : عبد الرؤوف بالي
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات