لا أعرف إن كان الشعار الذي رفعه الأزهر الشريف «الإسلام والغرب تنوع وتكامل» عنواناً لندوته الدولية حول العلاقة بين الإسلام وأوروبا يعكس أملاً حقيقياً يمكن أن ننتظره ونسعى إليه رغم المصاعب العديدة على طريق الحوار بين الإسلام والغرب التي تحدث عنها الإمام الأكبر الشيخ الطيب في افتتاح ندوته الدولية، التي شهدها عدد غير قليل من حكماء الشرق والغرب في مقدمتهم رؤساء جمهوريات سابقون لدول إسلامية وغربية ورؤساء وزراء لحكومات غربية وإسلامية، وجمع من مشاهير العلماء المتخصصين في قضية العلاقة بين الإسلام والغرب، وأصحاب مواهب هائلة وعلم جم من الأكاديميين البارزين، وممثلين كبار لشركاء عالميين مثل مجلس الكنائس العالمي وأسقفية كانتربري، وجمع فاضل من علماء المسلمين، جاءوا جميعاً يأملون في رأب الصدع بين المسلمين في الغرب والغربيين عموماً بعد أن نجح المتطرفون في زرع الشقاق بين الجانبين، رغم أن الإسلام ليس بغريب على الغرب، ولا يمثل مجموعة من المعتقدات الدخيلة عليه، ولكنه الآن الديانة الثانية في أوروبا، يعتنقه عدد كبير من المواطنين في العديد من البلدان الغربية.
ومع الأسف استغل سياسيون شعبيون مخاوف السكان الغربيين من الإسلام الوافد وأسرفوا في انتقاد سياسات الهجرة وقضايا التعددية الثقافية التي كانت من صميم القيم الأوروبية، تسود المجتمع الأوروبي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وأصبحوا يقدمون الإسلام كدين تطرف وتعصب بعيداً كل البعد عن السلوكيات المتأصلة في الدين الإسلامي السمح، التي يشهد عليها تاريخ المسلمين في العصور الوسطى من الأندلس إلى الهند ومن آسيا الوسطى إلى إفريقيا عبر تاريخ طويل يقترب من ألف عام، كان المسلمون خلالها يقودون حضارة العالم بينما تعيش أوروبا في ظلام دامس.
الهدف إذن مناقشة أمر العلاقة بين الإسلام والغرب في هذا المحفل المهم مناقشة تقوم على المصارحة والمكاشفة، وتأخذ في الحسبان الظروف القاسية التي تعانيها شعوبنا في الشرق أملاً في أن يُسفر اللقاء على أمر جامع يُنقذ عالمنا المُعاصر من مخاطر الصراع والتوتر وكل صور الحروب الباردة والساخنة التي تهدد عالمنا، وحسناً أن اختصر الشيخ الجليل أحمد الطيب شيخ الأزهر, الطريق، عندما أكد أن الشرق، أدياناً وحضارات، ليست له أي مشكلة مع الغرب بمفهومه المسيحي المتمثل في مؤسساته الدينية الكبرى أو بمفهومه كحضارة علمية مادية، لأن الإسلام يحترم ويعترف بكل الأديان، ويؤمن بالعلم أيا كان موطنه، يشهد على ذلك قديماً حضارة الأندلس بثقافاتها الثلاث التي جمعت اليهودية والمسيحية والإسلام بما يؤكد إمكان التقارب بين الأديان الثلاثة الذي حدث في الأندلس ويمكن أن يحدث مرة أخرى، كما يشهد على ذلك انفتاح الأزهر الشريف حديثاً على كل المؤسسات الدينية الكبرى في أوروبا، وزيارة البابا فرانسيس لمصر في نيسان الماضي ومشاركته في افتتاح مؤتمر الأزهر العالمي، والعديد من الزيارات المتبادلة بين الأزهر ورئيس أساقفة كانتربري ومجلس الكنائس العالمي والكنيسة البروتستانتية في ألمانيا.
وقد ألقى الإمام الأكبر على حضور مؤتمر الإسلام والغرب السؤال الصحيح عندما سألهم بعد سرد تاريخ حضارة الإسلام، أين إذن هذا الإسلام المنغلق على نفسه، المحبوس في ماضيه الذي يُشكل أتباعه خطرا ماحقا على حضارة الغرب ومنجزاته الكبرى؟! وهل تملك شعوب المسلمين مصنعا واحدا من مصانع أسلحة الدمار الشامل أو مصدرا من مصادر القوة الرادعة التي يمكن أن ترعب القوى الكبرى؟!. ليست هناك مشكلة بين الإسلام والغرب وليست هناك مشكلة بين الإسلام والديانات الكبرى الثلاث، لأن الإسلام يعترف بكل الديانات والرُسل، ويؤمن بتعارف الثقافات والحضارات وتكاملها وليس صدامها، ويحض على تبادل المنافع بين الأمم، المشكلة الحقيقية في قوة الهيمنة لدى دول الغرب التي يملؤها الشعور بحقها في السيطرة على الآخرين وتسخيرهم لتحقيق مصالحها انطلاقاً من اعتقادها الزائف بأنها الحضارة الأرقى صاحبة الحق المطلق في سيادة الشعوب وقيادتها.
تحية كبيرة إلى الشيخ الجليل أحمد الطيب الذي نجح بالفعل في أن يُعيد إلى أذهان الغرب والعالم صورة الإسلام السمح الذي يقبل بالآخر ويعترف بحقوقه ويحرص على اللقاء معه وحواره، ليس في مجرد خطاب يُقرأ فوق المنابر، ولكن من خلال عمل ديني علمي حضاري عصري دؤوب، يتصدى بشجاعة للإرهاب والعنف، وينجح في تحويل الأزهر، شيخ جامعات العالم، إلى قوة حوار بناء تُشكل أهم قوانا الناعمة الآن، تدعو للتقارب والتعارف والتآخي وتبادل المنافع بين الأمم دون هيمنة على الآخرين، ليرسم الطريق الصحيح لحوار الأديان والحضارات.
0 تعليق على موضوع : الإسلام والغرب / بقلم : مكرم محمد أحمد
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات