انعقد أمس الثلاثاء مجلس الأمن القومي تحت إشراف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بمشاركة المدير العام للأمن الوطني وآمر الحرس الوطني وكان رئيس الجمهورية قد أكد ليلة الإجتماع أنه مخصص للوقوف على حقيقة ما يحدث.
وبالفعل تم امس التطرق الدقيق إلى كلّ الحيثيات التي حفّت بالاعتداء الإرهابي الأخير بمنطقة عين سلطان من ولاية جندوبة... غير ان البلاغ المقتضب الذي أصدرته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية لم يتضمن ما من شأنه الإجابة الشافية عن استفسارات المواطنين بل اقتصر على معلومات عامة من قبيل «استعرض المجلس عرضا قدمه آمر الحرس الوطني حول حيثيات العملية الجبانة بعين سلطان ودلالتها، وتم التداول حول الاجراءات الكفيلة بمزيد التوقي والتصدي لكل ما من شأنه المس من مناعة الوطن، ودعم القدرات اللوجستية والعملياتية لقواتنا الأمنية والعسكرية....».
وفي الحقيقة، تعتبر كلمة رئيس الجمهورية بالمستشفى العسكري قبل انعقاد الاجتماع أدق وأشمل وأعمق بكثير من المحتوى السطحي الذي تضمنه البلاغ، اذ اوحى حديث الرئيس بجدول أعمال فيه عملية تدقيق وتقييم توضح ماحصل بالفعل، وتحمّل المسؤوليات وتتدارك الأخطاء، وبالأخص تصارح الشعب بحقيقة ما يجري.
ونحن ندرك ان استدعاء آمر الحرس الوطني لم يكن لمجرد الحضور الروتيني، بل لأن أمورا كثيرة صارت تقال على وقع موجة الاقالات والتعيينات الفجئية بسلك الحرس الوطني، وما اذا كان لها علاقة بحالة الإرباك التي يمكن ان تؤثر على الأداء الميداني للأجهزة الأمنية...
وعليه، فإن المجلس لم يكن عاديا مثلما كان البلاغ الذي جاء بعده.
من المؤكد أن نقاشا ساخنا قد حصل، وقد تكون هناك انتقادات لاذعة قد وجهت بالفعل لرئيس الحكومة ولوزير الداخلية بالنيابة عن أخطاء قد تكون انعكست سلبا على استقرار الأداء الأمني ومن المؤكد أيضا ان آمر الحرس الوطني قد أعطى صورة دقيقة من واقع معايشته لما حصل من تطورات وتداعيات داخل السلك الذي ضخت داخله تعيينات مكثفة، وحصلت به اقالات مكثفة وحساسة، دون توضيح او مبرر قوي...
ولهذا هناك فرضيتان تحومان حول سطحية البلاغ واقتضابه واقتصاره على عموميات متعارفة لا تشفي الغليل:
إمّا أن يكون الاجتماع قد شهد سجالات حول مجالات خطيرة تقتضي التكتم وتتأطر ضمن اسرار الدولة التي لا يجب البوح بها، واما أن تكون الدائرة الاتصالية برئاسة الجمهورية قد اختارت التعتيم على الرأي العامّ، وعدم الكشف بدقة عن مكنون نشاط الرئيس.. ونحن نعلم في هذا الباب أنّ الأخطاء الاتصالية أسهمت خلال هذه المدة، في تحريك استفهامات كبرى لدى الساحة التونسية، والتي تساءلت عن صمت الرئيس إزاء ما يحدث ، في الوقت الذي لم تنقطع فيه اتصالاته مع الطيف السياسي والمنظماتي لحل الأزمة السياسية... وهذا يعني ان أنشطة الرئيس لا تصل بالكفاءة الاتصالية المطلوبة للرأي العام التونسي.
وربما يحرك هذا استنتاجات معينة حول ما إذا كان هناك داخل مؤسسة الرئاسة نفسها من يتحرك ضمن الأجندة الحكومية الحالية والساعية الى التعتيم على الاخفاقات وإخفاء حقيقة ما يجري من تداعيات خطيرة على الساحة السياسية والاجتماعية عن رئيس الجمهورية.
ولا نعتقد في الواقع أنّ مجلس الأمن القومي الذي انعقد على وقع جملة من العواصف في المجال الامني والسياسي، وعلى وقع عملية إرهابية تذكرنا بالسياقات الدموية لسنة 2013 سينعقد لمجرد انتاج جمل بروتوكولية للتلهية والتعتيم.
إن كلمة الرئيس قبل يوم من اجتماع مجلس الامن القومي اوحت بملفات دقيقة وحارقة ومن المؤكد انها طرحت وفي أجواء ساخنة، قبل أن يرش عليها البلاغ الروتيني كثيرا من الماء البارد...
وفي كلّ الحالات من حقنا ان نعرف، ونكرر السؤال هل أنّ الإقالات العشوائية والتعيينات العشوائية كانت لها علاقة بالمقايضة بين حركة النهضة وحكومة الشاهد؟ هل أنّ ما حصل أضرّ بجاهزية أسلاكنا الأمنية وخاصة جهاز الحرس؟ هل أنّ رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالنيابة قد ارتكبا في هذا الصدد أخطاء تستوجب المحاسبة؟ أكيد ان بعض الإجابات التي غيّبتها الخطة الاتصالية قيلت داخل الاجتماع، وهي في كل الحالات لن تبقى سرا إلى الأبد.
الرئيس قال أنه سيصارح الشعب، وسيصارح الشعب فعلا، وسيتكلم في هذا الموضوع وفي غيره... وفي تقديرنا انه بدأ بعد في الكلام انطلاقا من زيارته للمستشفى العسكري حول موضوع الارهاب وحول الازمة السياسية الخانقة..
إن صمت الرئيس لن يطول أكثر...
0 تعليق على موضوع : الهواجس تكبر..في غياب الاتصال !! - بقلم: خليل الرقيق
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات