إن المدينة هدّمت بصواريخ الذين ادّعوا تحريرها وقنابلهم وآلتهم الحربية الجهنمية، وكان يمكن طرد الدواعش منها من دون هذه الكارثة في الأرواح والممتلكات.
ماذا ستنفع دموع جولي مدينة مازال الآلاف من أبنائها جثثا تحت الأنقاض
كتب شاعر عراقي كبير في صفحته على فيسبوك، تعليقا على زيارة الفنانة العالمية أنجيلنا جولي سفيرة النوايا الحسنة للموصل، “أنجلينا جولي في الموصل.. إن كانت ستتبرع لها بشيء ذي قيمة أو كانت ستنظم حملة للتبرع فهذا جيّد، وإلا فالزيارة مجرّد دعاية لها”. والحقيقة أن وكالات أنباء تناقلت خبر تبرّع جولي بمبلغ مليوني دولار من حسابها الشخصي لضحايا المدينة القديمة، أو كما قيل لإعمار المدينة القديمة.
وإذا كان خبر تبرّع أنجلينا جولي بمليوني دولار أميركي صحيحا، فماذا سيفعل هذا المبلغ لمدينة تهدّم نحو ثمانية آلاف و300 من منازلها، وانهارت خمسة من جسورها، يخضع ثلاثة منها للترميم، بحسب الأمم المتحدة، بل ماذا ستنفع دموع جولي مدينة مازال الآلاف من أبنائها جثثا تحت الأنقاض.
وقد قالت جولي نفسها إن “هذا أسوأ دمار شاهدته في كل سنوات عملي مع المفوضية. لقد فقد الناس كل شيء هنا، لقد دُمّرت منازلهم. هم معدمون. ليس لديهم دواء لأطفالهم، والكثير منهم ليس لديهم مياه أو خدمات أساسية. إنهم محاطون بجثث تحت الأنقاض. ويحاولون الآن إعادة بناء منازلهم، بعد صدمة الحرب، وغالبا بمساعدة ضئيلة أو معدومة”، لكنها لم تشر حتى تلميحا إلى من تسبب في ذلك.
إن المدينة هدّمت بصواريخ الذين ادّعوا تحريرها وقنابلهم وآلتهم الحربية الجهنمية، وكان يمكن طرد الدواعش منها من دون هذه الكارثة في الأرواح والممتلكات، غير أن الحقد على هذه المدينة العريقة وعلى أبنائها كان السبب في هذا الدمار، تحت غطاء طرد تنظيم داعش وكلنا يعرف أنهم هم الذين جاؤوا بتنظيم داعش ويسّروا أمر وصوله إلى الموصل، وكان يمكن طردهم في الأيام الأولى بعمل عسكري منظم وليس بالنحو الذي حدث في ما بعد، والذي نراه اليوم واطلعت عليه أنجلينا ولم تلامسه بكلمة ولا حرف.
إن المجدي الآن، هو الإجابة على هذا السؤال: من هدم الموصل ومن قتل أبناءها؟ ويجب أن تكون الإجابة من منطلق القول الصريح، وليس بالتخفي وراء مصطلحات دعائية كاذبة.
صحيح أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي هو المسؤول الأول عن تسليم الموصل إلى تنظيم داعش، وهو من تسبب في الكارثة التي حلت بساحتها، ولكن المالكي كان ينفذ أجندة إيرانية لإذاء المدينة وأهلها، ولبلاد فارس حقد عمره 275 سنة على هذه المدينة الباسلة، عندما مرّغت أنف نادر شاه، الإمبراطور الفارسي، الذي حاصرها، في التراب سنة 1743، حتى اضطرته للانسحاب خائبا يجرّ أذيال الهزيمة، والفرس لا ينسون أحقادهم مهما طال الزمن. وكانت الدوافع الطائفية حاضرة في حصار نادر شاه للمدينة وفي تسليم المالكي المدينة إلى تنظيم داعش، وشواهد ذلك أكبر من أن تخفى، وكان “تحرير” المدينة، في الحقيقة تحريرا لأرواح أهلها من الحياة، ومحوا للمدينة ومعالمها.
وإذ تجولت أنجلينا بين أطلال الموصل والمباني التي قصفت في شوارعها، والتقت الأسر النازحة لمناقشة جهود إعادة بناء المدينة واحتياجات السكان العائدين، فإنها كانت أشرف من الطبقة السياسية في المدينة، حتى أن أحد أبناء الموصل الموجوعين كتب يقول “الفنانة العالمية أنجيلنا جولي سفيرة النوايا الحسنة تزور الموصل وتقضي العيد مع الأيتام والمشردين من أهالي الموصل، وخالد العبيدي في عمان، وأثيل النجيفي في تركيا، وأسامة النجيفي في أميركا، ونوفل العاكوب في لبنان، وحسن الزيدان في قطر، معقول أنجلينا أشرف من هؤلاء السياسيين وأكثر حرصا منهم على الموصل وأهلها؟
إن العراقيين لا يفكرون في تمويل حملة إعمار المدينة، فإن أبسط واحد من أبناء الطبقة السياسية في العراق يستطيع إعمار المدينة بما نهبه من ثروات البلد، ولكن من يعوّض عشرات الآلاف من الأرواح في المدينة، ومثلها من أبناء المدينة الذين شرّدوا وفقدوا منازلهم، بل من يعوّض البلد عن الآثار والمعالم التاريخية التي هدّمت عمدا على أيدي داعش و“المحررين”؟
المطلوب تقديم صانعي مأساة الموصل وكارثتها إلى العدالة لينالوا جزاءهم العادل.
د. باهرة الشيخلي
كاتبة عراقية
0 تعليق على موضوع : ماذا تجدي دموع أنجلينا؟ - د. باهرة الشيخلي
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات