رغم هذا المناخ الإقليمي والدولي المعارض لعملية عسكرية للنظام السوري، واصل الأخير حشد قواته، وهو ما يتطلب تفسيرا لهذه الجرأة التي يتمتع بها النظام.
كثف النظام السوري عمليات القصف الجوي والمدفعي خلال اليومين الماضيين على مدينة درعا ومحيطها بعد نحو أسبوعين من مواصلة حشد قواته استعدادا لعمل عسكري وشيك يهدف إلى استعادتها. ويأتي ذلك رغم التحذيرات الأميركية المتتالية التي هددت النظام برد “حازم”، وفي ظل غموض كبير يلف موقف كل من روسيا وإسرائيل خلال الهجوم المتوقع، وهو ما يفتح الباب لتطورات خطيرة في قادم الأيام.
للوهلة الأولى قد يبدو المشهد واضحا وخاليا من التعقيدات، إذ يقوم النظام السوري بدعم من روسيا بمواصلة استهداف المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة واحدة بعد الأخرى، كما جرى في العشرات من الحالات خلال العامين الماضيين دون تعقيدات دولية وإقليمية تذكر.
هكذا، يبدو مصير مدينة درعا معروفا بصورة مسبقة وهو الاستسلام ونقل المقاتلين بالباصات الخضراء إلى شمال سوريا، وذلك بعد عملية عسكرية كبيرة تدمّر المحافظة وتقتل وتهجّر عشرات الآلاف من المدنيين.
ورغم وجود نحو 60 ألف مقاتل يتبعون لما يسمّى بالجبهة الجنوبية التي تقود العمل العسكري في محافظة درعا وريفها، لكن تحقيق النظام السوري بدعم جوي روسي لنصر عسكري لا يبدو صعبا، إذ أن الدعم الروسي غيّر توازنات القوى وتسبب في سقوط مناطق كانت تبدو عصية جدا وأهمها كل من مدينة حلب والغوطة الشرقية.
ولكن المشهد في محافظة درعا هو أكثر تعقيدا بالفعل. فليس واضحا ما إذا كانت روسيا سوف تقدم الدعم الجوي المطلوب للنظام السوري بسبب مفاوضاتها الجارية مع أميركا وإسرائيل.
كما أنه ليس واضحا ما إذا كانت أميركا وإسرائيل سوف تسمحان للنظام السوري بشن عمل عسكري بري، أو على أقل تقدير بالوصول إلى المناطق الحدودية مع مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
ويرجع هذا التعقيد الدولي والإقليمي إلى خشية إسرائيل من سيطرة النظام السوري وإيران على المناطق الحدودية وهو ما تعتبره خطا أحمر خصوصا بعد توسع النفوذ الإيراني في سوريا. ويمثل الموقف الأميركي في هذا السياق الحسابات الإسرائيلية بكل بساطة، إذ أنه بخلاف دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، لا توجد استراتيجية أميركية محددة تخص الجنوب السوري.
ولحل هذا التوتر المحيط بمصالح إسرائيل الأمنية في الجنوب، عقد الأردن وأميركا وروسيا اتفاقا خاصا لوقف إطلاق النار في الجنوب السوري منذ نحو عام والتزم به النظام السوري بصورة تامة. ولكن مع سيطرة الأخير بدعم روسي إيراني على مناطق ريف دمشق وحمص، عاد الاهتمام مجددا للسيطرة على الجنوب السوري.
ومع بدء النظام السوري حشد قواته العسكرية منذ نحو أسبوعين، عادت المفاوضات مجددا وقد شملت الأردن وروسيا وأميركا وتم إدخال إسرائيل بصورة مباشرة هذه المرة. قدمت موسكو مقترحا تضمن بموجبه عدم تواجد الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران في المناطق المحاذية للجولان المحتل بعد استعادتها، وأن ينتشر الجيش السوري فقط في تلك المناطق.
ولا يعرف حتى اليوم ما إذا كان الطرفان الأميركي والإسرائيلي قد قبلا بالمقترح الروسي. ففي حال القبول به، تكون الحشود العسكرية للنظام السوري قد تلقت الضوء الأخضر ويكون مصير محافظة درعا، بالفعل، كمصير بقية المدن والبلدات التي سقطت في مواجهة الهجوم العسكري المدعوم روسيا.
ولكن تسريبات عديدة أشارت إلى أن أميركا وإسرائيل قد رفضتا الاقتراح الروسي، وطالبتا بأن تكون المنطقة الحدودية خالية من كل من الميليشيات الشيعية والجيش السوري أيضا، وأن تتواجد قوات روسيا في تلك المناطق وهو ما رفضه النظام السوري وإيران.
من المرجح أن اتفاقا سياسيا عسكريا حول مستقبل محافظة درعا ومحيطها قد فشل بين الأطراف الدولية والمحلية حتى الآن. ويشير إلى ذلك عدم حديث المعارضة السورية عن اتفاق محدد طرح عليها لقبوله أو رفضه. كما يشير إلى ذلك ارتفاع مستويات القلق الأميركي والأردني، حيث عادت الولايات المتحدة لتحذير النظام من عمل عسكري في المنطقة، ويخشى الأردن أن يتسبب الهجوم العسكري بإطلاق موجة لجوء جديدة في لحظة يعاني فيها اقتصاده وتتزايد احتجاجات مواطنيه. ورغم هذا المناخ الإقليمي والدولي المعارض لعملية عسكرية للنظام السوري، واصل الأخير حشد قواته، وهو ما يتطلب تفسيرا لهذه الجرأة التي يتمتع بها النظام السوري.
إن لم تكن جرأته مستمدة من اتفاق سري جرى التوصل إليه خلال الأيام الماضية، فهي مستمدة من هوسه بالسيطرة المطلقة على كل شبر من البلاد وبإخضاع السكان فردا فردا. لا يمارس النظام السوري السياسة بل يمارس العنف والإخضاع المطلقين وهما جزء أصيل من تكوينه ويحددان سلوكه حتى في أصعب الظروف وأشدها خطورة.
نتذكر كيف واصل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي هجومه على بنغازي لسحق التمرد الشعبي رغم ما ولّده ذلك من تهديد بتدخل دولي حصل بالفعل في نهاية المطاف، وأدى إلى سقوط النظام الليبي. كذلك هو النظام السوري، بدعم إيراني، محكوم بالقمع والطغيان والإخضاع وسيقوم بممارسة ذلك في كل مرة وفي كل مكان، طالما بقي على قيد الحياة.
سلام السعدي
كاتب فلسطيني سوري
0 تعليق على موضوع : معركة درعا.. السيناريوهات المحتملة -- سلام السعدي
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات