محمد صلاح
بغض النظر عن الأمور الفنية ذات العلاقة بكرة القدم والظروف التي أحاطت بمشاركة الفرق العربية الأربع في مسابقة كأس العالم في روسيا ونتائجها وآراء المحللين الرياضيين في مستوى الأداء وايجابيات المدربين وسلبياتهم، أو حتى أخطاء القائمين على اتحادات الكرة في الدول الأربع، فإن الظاهرة الأكثر بروزاً تتعلق بالتفاف الشعوب العربية خلف المنتخبات الأربعة بصورة تفوق المتوقع، وكذلك عودة العلم الوطني ليرتفع في الشوارع والميادين وعلى واجهات المنازل وضمن مفردات الحياة اليومية للمواطنين العرب، حتى في الدول التي لم يحالفها التوفيق بالوصول إلى المونديال.
باختصار أعاد المونديال إظهار النزعة الوطنية مجدداً لدى الشعوب العربية، وأبرز ارتباط المواطن العربي بوطنه وحرصه على سطوعه ضمن المحفل الدولي الكبير، على رغم الإحباط والانكسار والفشل في أمور السياسة، أو تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وصعوبة الحياة في الأمور الحياتية. دعك هنا من محاولات قطر استغلال المسابقة الكروية العالمية لبث الفتن بين الشعوب العربية، وتحويل التنافس إلى صراع وحرب وكراهية، وسعي اللجان الإلكترونية الإخوانية والقنوات التلفزيونية الداعمة للإخوان وتبث من لندن وإسطنبول والدوحة إلى استغلال الحدث للإساءة إلى الرموز العربية، أو تحريض الجماهير ضد الحكومات واستثمار نتائج الفرق العربية لتحقيق أهداف سياسية. لاحظ أيضاً أن الإخوان أنفسهم كثيراً ما نبهوا أنظمة الحكم العربية عند تحقيق منتخباتها الكروية نجاحات إقليمية أو دولية بإلهاء الشعوب بواسطة كرة القدم والتغطية على أفعالها بالترويج للكرة وأحداثها، ولا يفوتك أيضاً أن الإخوان والآلة الإعلامية القطرية والنشطاء والثورجية لم يفوتوا، منذ ضرب الربيع العربي المنطقة وخرب أنماط العلاقات الإنسانية، فيها الفرصة تلو الأخرى إلا وسعوا إلى نشر الفوضى وزرع الفتن وتحقيق الخراب أملاً بتهيئة أجواء تسمح للإخوان بالقفز إلى مقاعد الحكم. واللافت أن الجماهير العربية ذاتها وعت اللعبة وفهمت الحيل والمؤامرات وصارت تتهكم على منصات إعلامية ظلت على مدى سنوات تنشر الإحباط بين الناس وتنزعج بشدة إذا ما التفت الجماهير العربية خلف أعلام بلدانها، وتأتي الآن لتبكي على أحوال المنتخبات العربية الكروية!
مشاهد الجماهير العربية في شوارع المدن الروسية التي تحتضن المونديال تؤكد أن الناس تجاوزوا الربيع العربي، وصاروا يرفضون صناعه، ولن يقبلوا بعودته، وأن الشعوب العربية لن تسمح مجدداً لأجواء الفوضى أن تعود، وأن جزءاً من أسباب ابتهاجها يأتي من نجاتها من شظايا الثورات وخراب المؤامرات.
تتجاوز شعوب الدول المتقدمة، وخصوصاً في أوروبا، صدمتها بسرعة إذا ما فشلت فرقها في الوصول إلى المونديال، أو خرجت من الأدوار الأولى، بعكس الحال في الدول العربية، إذ إن هناك في الجزء الآخر من الكرة الأرضية أسباباً عدة للسعادة والفرح والبهجة بينها قد يجد المواطن العربي في الكرة مصدراً وحيداً للفرحة أو الابتهاج والمأساة إن ظهر له، بفعل الربيع العربي ونتائجه المدمرة، من يستكثر عليه حتى الاستمتاع بفريقه في محفل دولي. تبدو الإجراءات القضائية التي أعلنت المملكة العربية السعودية عن اتخاذها تجاه تصرفات مسيئة ارتكبت أثناء بث مباريات المونديال بواسطة القناة القطرية المحتكرة للبث منطقية، فالمعلوم أن احتكار القناة لبث مسابقات إقليمية ودولية كروية تحول إلى أداة سياسية استخدمتها الدوحة مراراً من قبل، إذ لم ينسَ المصريون مثلاً بعد ذلك المعلق الذي دعا إلى المصالحة مع الإخوان المسلمين أثناء تعليقه على مباراة للفريق المصري في تصفيات أفريقيا المؤهلة للمونديال، أو رياح السموم التي يطلقها المحللون الكرويون في كل نقاش حول مباراة كرة القدم للسخرية من الرموز والإساءة لهم وتبرير الأفعال القطرية، ويضطر مشجعو الكرة إلى الجلوس لمشاهدة مباريات الفرق العربية في المونديال وقد تحصنوا ضد ذلك المعلق الإخواني أو تلك التحليلات الكروية... الثورية!
0 تعليق على موضوع : التحليل الكروي... الثوري - محمد صلاح
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات