معتز حيسو
تشكّل اللحظة العربية الراهنة، مناسبة لربط ما يجري في غير دولة عربية مع تحولات مفصلية كان لها الدور الأساس في صناعة أوضاعنا التاريخية. فالعرب قبل الإسلام وحتى اللحظة، باستثناء مرحلة تمدد الدولة الإسلامية، لم يكن لهم أية مشاركة تذكر في صناعة التاريخ. ومن المعلوم أن الخارج المتمثل في وقت سابق بالإمبراطورية الفارسية والبيزنطية والرومانية مروراً بالحملات الصليبية والمرحلة العثمانية وصولاً للحربين العالميتين، كان له دور واضح في تشكيل أوضاع العرب السياسية والاقتصادية،
إضافة إلى تأثيره في بنية العقل العربي. ومن البداهة بمكان أن لا يكون لطبيعة الصراع في منطقتنا العربية وخارجها أية أبعاد دينية أو ثقافية قبل ظهور اليهودية. لكن بعد استقرار أوضاع الأديان السماوية وتحولها في مراحل لاحقة لعقائد ومذاهب تكتسب شرعيتها الإطلاقية والكلية من خارج الأطر الزمانية والمكانية. فإنها أصبحت من أهم الأدوات الأيديولوجية للدفاع عن أنظمة حكم جائرة. وتلازم ذلك مع تفاقم التناقض والصراع بين الأديان، والانقسام داخل البيت الديني الواحد. وكانت في جميع تجلياتها وبالتحديد الحركات الجهادية، تخالف الأسس الإنسانية لأسباب ظهور الأديان،
اقرأ ايضا للكاتب
اقرأ ايضا للكاتب
اشكالية اندماج الدولة بالسلطة
ولا تعكس الأسباب الحقيقية للصراع. وانطلاقاً من ذلك يتم تحويل الدين لعباءة فضفاضة يتدثر بها كل من له مصلحة يمكن تحقيقها باسم الدين. وليس أدل على ذلك من قتل الإنسان وإنسانية الإنسان باسم الدين والطائفة والمذهب. فالحركات الدينية وبشكل خاص الجهادية يتم توظيفها بشكل شبه دائم لاستغلال الدين وتوظيفه سياسياً في سياق الصراعات الاجتماعية السياسية والاقتصادية. ولا ينفصل ذلك عن اشتغال الأنظمة القهرية، وأيضاً دول كبرى على صناعة التطرف والإرهاب الديني. وذلك بهدف تنميط الصراعات الراهنة ووضعها في إطار ديني وثقافي لا علاقة له بجوهر الصراع، وأيضاً لفرض أشكال من الهيمنة تختلف عن ما هو سائد.
نستكمل بحثنا بالقول إن طبيعة الدولة العربية المعاصرة وكذلك بنيتها السياسية والاقتصادية، تشكلت إستناداً إلى نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية. وبعدها تأثرت بتداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي وأيضاً بتجليات العولمة الثقافية والسياسية والاقتصادية. وتقاطع ذلك لاحقاً مع تناقض الميول النيو ليبرالية العولمية مع المعايير الديمقراطية، ويتجلى ذلك في أحد مستوياته بمحاربة الأسس النظرية العلمية والسياسية للمنهج المادي للتحليل، مقابل اعتماد مفاهيم ومقولات صراع الثقافات. ويتصل بذلك منعكسات حرب الخليج الأولى والثانية، وتداخل تداعياتهما مع ما يجري في غير دولة عربية. وذلك في سياق تحويل بلداننا إلى ساحات صراع معولمة، ومجتمعاتنا إلى أدوات نيو ليبرالية، وصولاً إلى إعادة توضيب مستقبل دول الإقليم.
وكما بات معلوماً فإن ثمة اختلاف بين السياق العام لتطور المجتمعات الأوروبية. وبين سياق تطور مجتمعاتنا. وذلك من جهة تغييب المواطن العربي عن المشاركة في صناعة أوضاعه، إضافة إلى ربط مصائرنا بمشاريع ومصالح خارجية.هذا في وقت ما زال فيه النظام العربي الأحادي، يرتبط لأسباب شتى بقوى خارجية تنظر إلى مجتمعاتنا من منظار المصلحة والنفوذ.
ونشير في السياق ذاته إلى تزامن هيمنة الخارج على تفاصيل صناعة أوضاعنا، مع استمرار
تأثير عوامل وأسباب التخلف على آليات تفكيرنا. فقراءة معطيات الحاضر، وكذلك النظر إلى المستقبل، ما زال مشدوداً بروابط عدة إلى آليات تفكير ماضوية لا علاقة لها بما وصلت إليه البشرية من تطور. بمعنى أننا لم نستطع الخروج من قوقعتنا التي تزداد صلابة. ما يضعنا أمام تحولات تهدد مجتمعاتنا بتفاقم تأثير عوامل التخلف، ويرتبط ذلك مع ميول سلطوية تشتغل في سياق التدخلات الخارجية على إعادة إنتاج ذاتها، يضاف لذلك تسارع العمل على إعادة تشكيل أوضاعنا الجيو سياسية على أسس طائفية وإثنية وغير ذلك من تصنيفات دون وطنية. وجميعها عوامل تساهم في تكريس عوامل انحطاط الوعي والتخلف بأشكال ومستويات متعددة.
نشير أيضاً إلى أن جذر الأزمة في سوريا وسائر دولنا العربية يقع على مستويين اقتصادي وسياسي. ويتجلى ذلك في سياق اشتغال أنظمة الحكم على تعميم الفقر واحتكار السلطة وتحويل الموارد الوطنية إلى غنيمة يتم توظيفها للسيطرة على مؤسسات الدولة والبنى المجتمعية ولتأبيد شكل الحكم الأحادي. ويتقاطع ذلك مع أزمة سلطات سياسية حاكمة لم تخرج من العباءة الأقلوية طائفية كانت أو مذهبية أو غير ذلك. وجميعها عوامل أسست إلى مضاعفة التسلط السياسي وإغلاق المجال العام السياسي والمدني بالتزامن مع فرض تحرير الاقتصاد بأشكال تلبّي مصالح أساطين المال والسياسة. ما شكل مدخلاً إلى نشوء استقطاب اجتماعي حاد يتجلى بالتناقض الجبهي بين السلطة ورموزها من جهة، وبين شرائح وفئات اجتماعية واسعة.
مع ذلك فشلت المعارضة السياسية السورية ومعارضات أخرى عربية باستقطاب الفئات المهمشة والمقموعة أو تمثيلها سياسياً. ويفاقم من مخاطر الأوضاع في سوريا، استمرار تمسك السلطة بنهجها الأحادي، إضافة لهيمنة التطرف والعنف الديني والمذهبي على المشهد السوري، واندماج أطراف من المعارضة بفصائل إسلامية جهادية، والأخطر ارتهان المتصارعين لجهات خارجية تحمل مشاريع متباينة. وجميعها عوامل تفاقم من التحولات الإشكالية المهدِّدة لمستقبل هوية الدولة السياسية والاقتصادية الحداثوية والديمقراطية.
إن ما نشهده من تحولات وصراعات دولية وإقليمية هدفها إعادة توضيب أوضاعنا العربية، لا يغيّر من مضامينها النهائية توافق الدول المتصارعة. فمآلات أوضاعنا الراهنة، وكذلك السياق العام للتحولات التاريخية في غير بلد عربي، يدلل على أن نتائج توافق الميول الدولية أو تناقضها حول قضايا تخص بلداننا العربية، لم تكن يوماً لصالح شعوبنا العربية المقهورة والمقموعة والمنهوبة. فالصراع من أجل الهيمنة وإعادة توزيع وتقاسم مناطق النفوذ هو ديدن الدول الكبرى. ويرتبط ذلك باستمرار اشتغالها على فرض علاقات التبعية والارتهان على الدول الطرفية ومنها بلداننا العربية. ما يعني أننا في قلب صراع دولي هدفه تغيير المشهد العالمي وفرض أشكال أخرى من الهيمنة.
إن ما أشرنا إليه يدفعنا للتأكيد على أن تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية بحاجة إلى تمكين المعرفة العلمية والتأسيس لمجتمع ديمقراطي مفتوح يتجاوز الأطر والبنى والهويات الأقلوية الطائفية والمذهبية والإثنية و… وجميعها يحتاج إيلاء ثقافة المواطنة والعيش المشترك الاهتمام اللازم. وأن تكون التنمية تعبيراً عن مصالح المواطنين. ما يعني وضع الاقتصاد والسياسية في إطار بناء دولة تلحظ مصالح المواطن الأساسية. ولا نجافي الحقيقة حين نقول إن تجاوز ما وصلت إليه أوضاعنا من تصدع وانهيار يحتاج إلى عقود من الزمن، هذا إذا لم نسقط في منزلقات أخرى أكثر خطورة.
---------------
اقرأ ايضا للكاتب
0 تعليق على موضوع : معتز حيسو: عن علاقتنا كعرب بصناعة التاريخ
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات