ثمة مشكلة في عدم إدراك القيادات الفلسطينية للخلل في موازين القوى وضعف بنية كياناتهم السياسية وتخلف إدارتهم، أو قدرتهم على استثمار كفاح شعبهم.
طوال تاريخهم لم يترك الفلسطينيون طريقة نضالية، سلمية أو عنفية، إلا وانتهجوها في صراعهم المديد ضد المشروع الصهيوني. لذا ففي مناقشة الحراك الشعبي الذي جرى في يوم الأرض هذا العام، والذي تمثل بخروج ألوف الفلسطينيين إلى الحدود بين غزة وإسرائيل في محاولة لممارسة حق العودة إلى ديارهم، والذي نجم عنه حتى الآن، مصرع 17 فلسطينياً، وجرح أكثر من ألف منهم، برصاص إسرائيلي، يجدر إجراء مقاربة تاريخية ومعاصرة مع هذا الحدث، الذي قد يؤسس لمسار جديد في الصراع الفلسطيني، بأشكال مختلفة غير تلك التي اعتدنا عليها والتي ترتكز على العمل المسلح.
من الناحية التاريخية سجّل الفلسطينيون في كفاحهم أطول إضراب في التاريخ عام 1936، وقد استمر لستة أشهر، والذي تبعته انتفاضة امتدت على ثلاثة أعوام (1936- 1939). بيد أن هذه الثورة أجهضت بحكم ضعف إمكانيات الفلسطينيين في مواجهة دولة الانتداب، وأيضاً بحكم تخلف إدارة هذه الثورة، والفوضى أو العفوية التي طبعتها، ناهيك عن طابعها المحلي إذ لم يستطع الفلسطينيون تشكيل كيان سياسي جامع يمثلهم ويعبر عن تطلعاتهم الوطنية.
أيضا، فقد عرف الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1967، ولا سيما في الضفة، أشكال النضال الشعبية والسلمية، في الصراع ضد إدارة الاحتلال، وضد روابط القرى، وخاضوا معركة الانتخابات البلدية (أواخر السبعينات من القرن الماضي)، بقيادة الجبهة الوطنية الفلسطينية، كذراع لمنظمة التحرير، التي أتت بشخصيات وطنية مثل بسام الشكعة (نابلس) وكريم خلف (رام الله) وإبراهيم الطويل (البيرة)، ومحمد ملحم وفهد القواسمي وعبدالجواد صالح، وهي تجربة أجهضتها سلطات الاحتلال الإسرائيلية بمحاولتها اغتيال عدد من تلك الشخصيات.
بيد أن النضال الشعبي الفلسطيني بلغ أفضل أشكاله في الانتفاضة الأولى (1987- 1993)، فهذه الانتفاضة كانت محل إجماع الفلسطينيين، وجاءت وفقا لإمكانياتهم الخاصة وتبعا لإرادتهم الذاتية، بحيث باتت تعتبر الشكل النضالي الأنسب لكفاح الفلسطينيين، واتباع استراتيجية الضعيف ضد القوي، التي تقوم على عدم الانجرار إلى المربع الذي تستقوي فيه إسرائيل، وهو الصراع المسلح، وتحييد الجيش ما أمكن، بحيث باتت هذه الانتفاضة أهم معالم الكفاح الفلسطيني المعاصر، وهي التي أعادت منظمة التحرير إلى الخارطة السياسية بعد غزو لبنان (1982)، وهي التي وضعت قضية فلسطين على رأس الأجندة الدولية والإقليمية مجدداً، بغض النظر عن ضعف استثمار الانتفاضة، كما تمثل بذهاب منظمة التحرير نحو عقد اتفاق أوسلو (1993) المجحف والناقص، الذي يعاني الفلسطينيون المخاطر الناجمة عنه حتى اليوم. ويستنتج من هذه الأمثلة أن ثمة مشكلة في عدم إدراك القيادات الفلسطينية للخلل في موازين القوى وضعف بنية كياناتهم السياسية وتخلف إدارتهم، أو قدرتهم على استثمار كفاح شعبهم.
أما في المقاربة المعاصرة فقد عرف الفلسطينيون في المناطق المحتلة عام 1948، والذين باتوا بمثابة مواطنين في إسرائيل (ولو من درجة ثانية) أشكالا من الكفاح من أجل أرضهم، ومن أجل عودة اللاجئين، ويقارب عددهم أكثر من مئة ألف، لا تعترف إسرائيل بمكانتهم القانونية وفقا لقانون “الغائب الحاضر” العنصري، إذ بين فترة وأخرى تنظم مسيرات واعتصامات لعودة هؤلاء إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها، لإعادة إعمارها، إذ ثمة 400 قرية تم تدميرها.
وفي هذا الإطار جاء يوم الأرض (1976) الذي جاء ردا من فلسطينيي 48 على قيام إسرائيل بمصادرة الآلاف من الدونمات من أراضيهم في الجليل والنقب، وقد جوبه المتظاهرون بالرصاص، رغم أنهم من مواطني إسرائيل كما هو مفترض. بيد أن هذا اليوم خرج من نطاق المحلية إلى النطاق الوطني، إذ بات يوما فلسطينيا، يعيد إحياءه الفلسطينيون في مناطق 48 وفي الضفة والقطاع، تأكيدا من الفلسطينيين على كونهم شعبا واحدا وأن قضيتهم واحدة.
لكن المقاربة الأصعب مع ما جرى في غزة هي مسيرة العودة التي قام ألوف من الشباب الفلسطينيين السوريين في الجولان، عند الحدود السورية- الإسرائيلية، يوم 5 يونيو 2011، والتي نجم عنها مصرع 26 شاباً، وجرح المئات منهم، وهي قامت بتشجيع من النظام السوري والفصائل التي تدور في فلكه لأغراض سياسية.
الفلسطينيون بحاجة إلى إدراك أفضل لإمكانياتهم، ولواقع إسرائيل والسياسات التي يمكن أن تنتهجها ضدهم، وهم بحاجة إلى إدراك للمعطيات الدولية والعربية، لأن المسألة لا تقتصر على التضحيات وعلى امتلاك الحق، بل تتعلق بموازين القوى والمعطيات المحيطة.
0 تعليق على موضوع : مقاربة تاريخية ومعاصرة للحراك الشعبي في يوم الأرض - ماجد كيالي
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات