الدولة هي الوطن، الوطن هو الدولة؛ هما عماد المواطنية وقاعدة المجتمع المدني، هما المقدس لا الوثن، هما من يحمي قدس أقداس المواطن؛ حقوقه الموازية لواجباته، واجباته التي يحرص على أدائها بكل أمانة، لكي يحصل على حقوقه التي يصونها العقد الاجتماعي، ولا ينبغي أن يفرط بها تحت أي حجة أو ذريعة.
لهذا كان تقسيم السلطات وتحديد اختصاصاتها، واحدة من أنجع الطرق والمسالك لوقف تقدّم وزحف ونمو أنظمة الديكتاتورية والاستبداد؛ كوجهين لعملة الحكم التسلطي ونخب التسلط الأعمى، وهي تذهب عامدة للخلط بين شؤون السلطات ومصادرة قراراتها وفرض الرأي عليها، كأن تتحول السلطة القضائية، التي يفترض أنها حارسة القانون والدستور، إلى سلطة بلهاء، تأتمر بأوامر سلطة عمياء؛ لا تبصر غير مصالحها ومصالح أفرادها، والنخب التي تتحلق حول وليمة السلطة التي «اشترت» مصالحها بقوة القمع والإكراه، وبالفرض القسري والضغوط حتى الجرمية منها.
ولهذا أيضا، كان الوطن أحق بأبنائه، وهم يحمونه ليحميهم، في متوالية علاقات جدلية لا تفريط فيها، الوطن هو مادة القداسة وعنوانها، وهم الجديرون بالانتماء إليه، كونهم أناس هذا الوطن وأبناء دولته؛ دولة الانتماء وقدسيته، لا وعاء العصبيات العقيدية أو الإثنية، وانحيازات الانتماء لـ»حوائط مائلة» تمثلها العصبيات الطائفية والمذهبية المقيتة، وهي تتحول مع الزمن إلى خناجر وسكاكين في ظهر الوطن والمواطن، مهمتها التمزيق والتجزيء والتفتيت؛ والانتقال بالانتماء إما إلى «دولة الخارج»، أو إلى دويلات وإمارات تجري فيها مبايعة خليفة أو خلفاء وولاة لا صفة لهم بالمطلق، وإنما هم المعتدون على حق أو حقوق الدول والوطن وحقوق الناس فيه، والمصادرون لحياتهم وراهنوها، قتلا وذبحا، أو القبول اضطرارا بالعيش تحت «رحمة» عصبية «الجهل المقدس»، وهو يتحول إلى حاكم أوحد، قراراته لا تُرد، ولا تناقَش، ولا ينبغي لأحد من «الرعية» إبداء الرأي فيها.
وإذا كانت الأنظمة الفئوية الدينية، قد صاغت وتصوغ ما تحكم به من قوانين وقرارات ودساتير، تستند إلى «شرع مجهول» للعامة، وحتى للخاصة، وقد فشلت في تطبيق ما نادت وتنادي به، لأن «الطباخين» كثر، بل أكثر مما تحتملهم طبيعة السلطة الدينية ذاتها، فقد سقطت أنظمتهم وستبقى تسقط كلما قامت لهم قائمة في بلد من البلدان، وقد كان آخرها في مصر، التي، وعلى الرغم من ذلك، لم تحسم السلطة فيها بعد، توجه نظامها إلى نظام برلماني ديمقراطي أو رئاسي، في ظل هيمنة العسكر على مقدرات الدولة والوطن والاقتصاد، ما يعيق ويعطل بناء دولة وطنية مدنية، تناهض الدويلات الفئوية الدينية، التي يمكن أن تنشأ، في ظل هذه الموجة الدينية، التي لم تستكمل صعودها، ورغم ذلك فقد بدأت في الانكسار والتقصّف والتفكك، من دواخل فئاتها المكونة غير المتحدة أو المتوافقة على أي مسألة أو قضية لا دينية ولا سياسية.
لذلك قلنا وسنظل نقول إن الوطن أقدس من أوثان العصبيات الطائفية والمذهبية، فالناس الأصحاء عقلياً عادة ما ينحازون للوطن وهم يعلنون الانتماء إليه، والدفاع عنه، وحراسته برموش العيون، أما دولة السلطة، فهي عنصر اختلاف وخلاف بين المكونات المجتمعية والسياسية، صدق تمثيلها واحترامها العقد الاجتماعي والسياسي وتعاطيها مع مواطنيها كمواطنين أحرار، لا كعبيد أو رعايا لدى النخب الحاكمة، وحده الذي يرفع من رصيدها كدولة وطنية مدنية. هذا ما نعول عليه، كي لا تتحول الدولة في بلادنا إلى وثن، وحتى يبقى الوطن هو المقدس، وليس الانحياز لتعصبات الطائفة والمذهب والفئويات القاتلة أو المتذابحة
0 تعليق على موضوع : ماجد الشيخ : الوطن لا الوثن
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات