اليوم يستعيد الحوثيون حجمهم الطبيعي بعد سقوط غطاء علي عبدالله صالح. لا شعب ولا جيش ولا قبائل. إنهم مجرد عصابة طائفية.
الآن لا تنفع النصائح ولا الأمنيات. لقد تمكن الحوثيون من قتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. عدوهم في الأزمنة الواسعة وحليفهم في الزمن الضيق. أما كان في إمكان الرئيس المغدور أن ينهي حياته بطريقة تنطوي على شيء من الوطنية؟ سؤال لن يكون نافعا في شيء.
لقد ضمن له اتفاق تخليه عن الحكم الذهاب الى التقاعد في حياة مريحة.
ويوم احتلت ميليشيات الحوثي الطائفية العاصمة صنعاء عام 2014 كان أمامه خياران يليقان برجل حكم البلاد 33 عاما. أما أن يبادر إلى حماية تلك البلاد التي حكمها من غوغاء التطرف الطائفي فيدعو الجيش الذي لا يزال خاضعا لأوامره إلى القتال دفاعا عن وحدة اليمن التي سلمها غير منقوصة أو أن يمارس دور الحكيم فيدعو الأطراف كلها إلى العودة إلى طاولة المفاوضات والالتزام بتعهداتها السابقة.
غير أن الرجل فاجأ الجميع بأن انزلق إلى مؤازرة الحوثيين في انقلابهم على الشرعية في خطوة انتقامية لا تنطوي على حكمة هي حصيلة عمره أو على خبرة هي حصيلة سنوات حكمه. وعن طريق تلك الخطوة شق صفوف الشعب اليمني الذي كان من قبل موحدا ضد نزعات الحوثي الانفصالية. لقد أعمته رغبته في الانتقام من الشعب الذي أزاحه عن كرسي الحكم عن رؤية حقيقة ما تضمره العصابة الحوثية لليمن ولليمنيين.
وكما يبدو فإن الرئيس السابق نسي يمنيته ووضع رأسه بين أيدي أتباع الولي الفقيه الإيراني. لم ينتبه إلى أن الحوثيين الذي حاربهم ست مرات يضمرون سببا جديدا يدفعهم إلى كراهيته وهو سبب مستعار من ولية نعمتهم إيران التي ناصبها علي عبدالله صالح العداء يوم وقف مع العراق في حربه ضدها. ترى كيف اطمئن الرجل الذي اعتاد اللعب مع الثعابين كما يصف نفسه إلى عدوين، إن غفل عنه أحدهما قتله الآخر؟
شيء غير مفهوم في تلك المعادلة القائمة على خطأ في الحساب.
استفاد الحوثيون من انضمام صالح إليهم في حرب انقلابهم على الشرعية على مستويات كثيرة.
صار لديهم غطاء شعبي ولم يعودا أقلية طائفية قادمة من صعدة. لقد خلط صالح الأوراق فصار جزء من الشعب اليمني يردد مقولات الحوثي وهو ما أربك قوى الشرعية على مستوى القدرة على الفرز بين مَن هو وطني ومَن هو تابع للمشروع الإيراني.
كما أن الرئيس السابق وضع جزءا من الجيش اليمني بكل عدته وعديده في خدمة انقلاب الحوثي على الشرعية وهو ما أفقد الجيش اليمني شعوره الوطني وجعله مجرد ذيل لعصابة طائفية.
الأسوأ يكمن في أن حليف الحوثيين الحالي وعدوهم السابق وضع بين أيديهم خرائط جديدة للتحالفات القبلية لم تعرف اليمن أسسها من قبل. فبعد أن كان الحوثيون يقاتلون وحدهم الدولة التي تلتف حولها القبائل جر صالح عددا من القبائل إلى المستنقع الذي وقع فيه شخصيا.
غير أن انفصال صالح عن الحوثيين قبل مقتله بأيام أعاد الأمور إلى نصابها.
اليوم يستعيد الحوثيون حجمهم الطبيعي. لا شعب ولا جيش ولا قبائل.
إنهم مجرد عصابة طائفية استولت على العاصمة بقوة السلاح مدعومة من دولة أجنبية هي إيران التي سيكون عليها أن تقاتل مباشرة دفاعا عن لانقلاب الحوثي وهي لن تفعل أو أن تنجد الانقلابيين بمقاتلين من حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية التابعة لها.
غير ان تداعيات انفصال صالح ومن ثم مقتله لن تقف عند حدود مجريات الحرب على الأرض بل ستتخطاها إلى المجتمع الدولي كما أتوقع.
لا يليق بالأمم المتحدة أن تكون وسيطا بين الحوثيين والشعب اليمني ممثلا بالشرعية التي انقلب عليها الحوثيون.
وكما أرى فإن إعادة الحوثيين إلى محيطهم الطبيعي سيكون أول شروط الأمم المتحدة التي ستفرض على الحوثيين لكي يكون الحوار معهم مقبولا. اما بقاؤهم في صنعاء من غير الغطاء الذي كان الرئيس القتيل يوفره لهم فمعناه هلاكهم المؤكد.
0 تعليق على موضوع : اللعب مع الثعابين بقلم: فاروق يوسف
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات