شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

الباحثة سميحة النعمانى* تكتب:حول ظاهرة التطرف الدينى






إنّ المتتبّع لواقعنا الراھن یجد نفسھ أمام تزاید مضطرد للفكر الدّیني المتطرّف سواء بشكلھ الرمزي أو التجسیدي. ونقصد بالشكل الأوّل: ھو مجموعة الأفكار الاجتماعیة
المنتشرة بدون أن تكون لھا مساحة تحقّق، أمّا الشكل الثّاني: فنقصد بھ الجماعات الفعلیّة المطبّقة للفكرة أو الفارضة لھا. ومھما ظھر من تباین على مستوى النّظر والتطبیق فإنّ الخطورة تظل بنفس النسبة في كلتا الحالتین، لأنّ كلّ ما تحتاجھ الفكرة ھو فرصة للتحقّق على الأرض وعوامل مساھمة في إنضاجھا. ولعلّ أھمّھا: إیجاد مساحة من الفوضى السیّاسیة والاجتماعیة، لكن ھذا لا یمنع من ظھور الفكر المتطرّف وتبنّیھ من قبل شرائح اجتماعیة كبیرة من داخل الدّول الآمنة، فما یحكمھا ویجعلھا بعیدة عن التطبیق الواقعي لمقتضیات ھذا الفكر ھو فقط سیادة القانون في ھذه الدّول وقوّة مؤسّسات الدّولة بھا.
تبرز أھمیّة الموضوع في عودة الإشكالیة الدّینیة إلى النّقاش بشكل یأخذ بالاعتبار تداخلھا مع مواضیع أخرى. وطرحھا لنتائج سلبیة تفاقمت مؤخّرا بشكل یدعو للقلق ولعلّ أبرزھا ھو: التطرّف الدّیني.
لذا فإنّ إشكالیتنا ستتمحور في سؤال رئیسي ھو: ما الأسباب والدّوافع الكامنة وراء شیوع الفكر الدّیني المتطرّف ؟

أسباب ظاھرة التطرّف الدّیني
1) الأسباب الظّاھرة:
للتطرّف الدّیني أسباب ودوافع منھا ما ھو ظاھر ومنھا ما ھو خفيّ ، یتمثّل الظّاھر منھا في عدّة عناصر نذكر منھا:
أ : الجھل
تخلق مساحة الجھل والسّذاجة الاجتماعیة سھولة في توفیر أناس روبوتیین یعبدون النصوص الأخلاقیة أو الدّینیة أكثر من تحلیلھم للمعلومات العقلیّة الّتي ترد فیھا. وھذا ما عبّر عنھ المفكّر المصري نصر حامد أبو زید حینما اعتبر أنّ الثقافة العربیة الإسلامیة عبارة عن فكر یتبنّى حرفیة النصوص بدون تأویل یراعى فیھ البعد الزّمني أو الظّرفي للوقائع المؤوّلة، إذ یكفي أن یتمّ مراجعة قول فلان أو فلان لیتوقّف العقل عن التحلیل بدعوى المقدّس.
وكما ھو معلوم فإنّ آلیات استخدام الفكر بكلّ أقطابھ سواء الفلسفي منھ أو العلمي المادّي أو حتّى التحلیل الشّاعري للأحداث لا یمكن أن یتأتّى إلّا تاریخیّا أو بعبارة أدقّ بشكل تراكمي، وذلك من خلال برامج تدریسیّة تعنى فیھا الدّولة بتطویر الصّحة الفكریة للمواطنین، وأیضا بتحملّ النخبة المثقفة مسؤولیاتھا اتجاه تطویر المجتمع.
إنّ ما نجده من داخل مجتمعاتنا العربیة على الأقلّ ھو اتساع فئة الأم یین من جھة وفئة البسطاء من جھة أخرى، وتضمّ الفئة الأخیرة المتمدرسین والغیر المتمدرسین على حدّ السّواء. على اعتبار أنّ الفكرة ھنا مرتبطة أساسا بدرجة الوعي المنتشرة، لأنّ المجتمع العربي یوفّر لك نماذج متعدّدة أبطالھا حاملو شواھد علیا یقصدون العرّافات أكثر بكثیر  ممّا یقصدون المكتبات، ومن ھنا بالضّ بط یمكن فھم احتواء الجماعات المتطرّفة لأناس من ھذه الطّینة. ففي فكرھم یغلب الفكر التداولي المحیط بھم اجتماعیا على ما تمّ حمله  من آلیات للتفكیر في المؤسّسة التعلیمیة أو أيّ قناة من القنوات التثقیفیة، والأمر راجع إلى سیادة فكرة المقدّس الّتي تلغي أیة فكرة شكّ أو على الأقل تزحزح الفكرة الصلبة وتجعلھا أفكارا فرعیة وإنّ أبقت على الفكرة الأم.ّ
ب : الخوف من: الفراغ الروحي، والمجھول.
نقصد بالفراغ الحالة الّتي تجعل المؤمن بالفكرة سواء كانت دینیة منھا أو علمیة أو معرفیة، بحیث یصبح الیقین معلّقا حسب تعبیر ھوسرل إلى حین الإجابة على كلّ الأسئلة بشكل عقلي .
إنّ المتفحّص لنفسیة المتطرّف وردّات فعلھ في أيّ نقاش یرى غضبا إزاء كلّ تسلسل في النقاش، ومردّ الأمر إلى خوف من الفراغ الرّوحي. بحكم أن مجرّد مسّ فكرة واحدة من الأفكار الّتي یحملھا یمكنھ أن یشكّل خطرا على فكره ككلّ. لذا فإنّ الأفكار الدّینیة في نظره مترابطة كأحجار الدّومینو وكلّ مساس بالفكرة الأولى یمكنھ أن یسقط ما تبقّى من الأفكار الأخرى. فالفكر الدّیني المتطرّف یخاف تفكیك الفكرة ومحاولة شرح عناصرھا ومن ثمّ تركیبھا. لذا فإنّ الخوف على ھذا الترابط ھو ما یفسّر ثورتھ عند مناقشة أمور شكلیة من قبیل: كیفیة الوضوء أو مسألة مدى قداسة الحجاب، أو مدى قداسة بعض الأولیّاء.
الخوف من الفراغ لیس ھو الشّكل الوحید الّذي یسكن فكر المتطرّف وإنّما یغذّیھ خوف أشمل وھو الخوف من المجھول، الموت، وما بعده… وھذا ھو الوتر الّذي یلعب علیه الفكر المتطرّف من خلال نشر كتب شارحة لما یكون علیھ الموت وحیاة القبور! وألوان العذاب الّتي تخصّ كلّ إثم على حدة. بالإضافة إلى قنوات وصفحات على الانترنت متخصّصة في الدّعوة تجعل كلّ الرّوایات المؤلّفة عنھ أكثر تصدیقا من تلك الّتي یقدّمھا شوبنھاور أو نیتشه أو ھایدغر الدّخلاء جدّا على الثقافة الإسلامیة. بینما المعنى الفلسفي لفكرة الموت في الثقافة الإسلامیة غالبا ما فسّر بشكل دیني یأخذ فیھ معیار الثواب والعقاب فقط كما ھو شأن الفكر الدّیني ذاتھ. وبالتّالي فإنّ الصّدمة الإیروسیة (حب البقاء) لدى الأشخاص غالبا ما ترغب بمعاني ملیئة بأحداث (مھما بلغت درجة الصّدق أو التلفیق فیھا) فیما یخصّ العالم الآخر لطمأنة النفس بأن الأفعال الإنسانیة محسوبة ولھا جزاء لا یمكن للعقل البشري المحدود فھمھ. فالعقل یحدّ من بریق الفكرة المدھشة ویجعلھا عناصر معتادة. والمعتاد أمر لا یخدم مصلحة المتحكّمین، لأنّ الفكرة المعروفة والمعتادة یتح قّق فیھا الفھم إن لم یكن آنا یكون بشكل متدرّج. بینما الأمر لا یحتاج للفھم و إنّما للتسلیم بما قیل. بحیث یصبح الخیال والفھم في حالة تماھي، وغالبا ما كانت مھمة الخیال تضخیم الأحداث والأفكار وطبعھا بشيء من الشخصانیة والتفرّد بحیث تصبح مھمة الأفراد بعث الفكرة بشكل جدید وأكثر ترغیبا أو ترھیبا انطلاقا من مخیّلاتھم الّتي یصطلحون علیھا بفكرة تأویلات أو شروح للرّؤى الدّینیة.
2) الأسباب الخفیّة:
أ: سیاسي.
یقول أرسطو في الأورغانون: “الطبیعة تخشى الفراغ”، ویمكننا إسقاط ھذا المبدأ على كلّ الأحداث المتتالیة الّتي نعیشھا في عالمنا العربي لنعرف بأنّ لا شيء من فراغ حقّا، وأن جبل الجلید بضخامتھ الخفیّة ھو التعبیر الأنسب لھا، فتكاثر الجماعات المسلّحة، وظھور ھلع عالمي منھا، بالإضافة إلى بروباغاندا التطرّف الدّیني الّذي یذاع بسھولة وتقبّل عام بدعوى حر یة التعبیر الغائبة في شؤون أخرى أكثر إلحاحا منھا. كلّھا أمور تصل بنا إلى خلاصة مفادھا أنّ لا شيء من فراغ !
لفھم كلّ ما یحیط بنا علینا النّظر أوّلا في نوعیة الأحداث السیاسیة الّتي مرّت على البلدان الّتي تنتشر فیھا الجماعات المتطرّفة، وكلّنا نعرف أن الصیغ الّتي تدخل بھا ھذه الجماعات في البدایة ھي أفكار إصلاحیة (على الأقل من وجھة نظرھم) إمّا للدّین، الأخلاق العامة، إصلاح دور المرأة من مرأة جامحة سافرة إلى زوجة قانتة ومخلصة لرجل مخلص بدوره لأربع نساء….، أو بدعوى الجھاد المقدّس الّذي سیخلّص بلادا من الطغیان الكافر، أو تعریف المواطنین بالدّین الصحیح عبر فرض الصلاة إجباریا ومعاقبة النّاس في الساحات العامّة كعبرة للآخرین… ولنا في أفغانستان وسوریا حالیا آیة.
كلّ ھذه الدّعاوى أساسھا سیاسيّ بالدّرجة الأولى لمصالح لیس الدّین أو الإصلاح ھاجسا لھا بل السیّطرة والتحكّم “استغلال الثّروات”، وعلى رأي مسؤول أمریكي صرّح عقب الحرب على العراق في 2003 مازحا: “ما كنّا سنخوض ھذه الحرب لو كانت العراق تصدّر فجلا مثلا”،
لذا فالأسالیب المتّبعة لتحقیق ذلك تتمّ بطریقة متوازیة مع فھم النّاس.وذلك من خلال الوقوف عند نقط الخلل داخل المنظومة المجتمعیة ومحاولة استغلالھا بشكل أو بآخر للوصول للنتائج المرجوّة. وأھم نقطة یمكن التركیز علیھا في عالمنا العربي ھو الدّین بما یمثّلھ من حساسیة وتقدیس واعتباره أساسا للحیاة حتّى وإن أخذ بشكل صوري كما ھو حال الكثیرین، وتخلیصا دائما لعقبات الحیاة الفان یة الذي یتم من خلال الدّعاء وزیارة الأضرحة أو تقدیس الأشخاص لا المبادئ، وجعل كلامھم شبھ منزّل بدون تمییز، ویكفیك أن تذھب عن طریق الاستكشاف لدى أحد ممّن یطلق علیھم “مانحوا البركات” لترى الكمّ البشري الھائل الّذي یطلب الخلاص والبركة الدّنیویة قبل الأخرویة.

ب: تقاعس المثقف عن أداء دوره في المجتمع.
لا شكّ بأنّ نجاح انتشار الفكر المتطرّف في التوغّل داخل المجتمعات العربیة مردّه أساسا إلى فشل دور المثقف من داخل مجتمعھ في تغلیب منطقھ الإصلاحي، لأسباب معیّنة نذكر منھا: البرج العاجي للمثقف والّذي یرى في النّاس مجرّد وحدات قابلة للدّراسة بشكل أكادیمي صرف. ممّا یخلق حالة نفور بالنسبة للفرد من داخل المجتمع، ھذا مع أخذ الحسبان الفئة الأمیّة من داخلھا كما ذكرت آنفا. بینما یعمد المفكّر إلى الانزواء والتفكیر بشكل فوقي أكثر ممّا ھو معاین سواء من خلال المفاھیم المستخدمة في الحوار أو التفكیر الّتي تلقى معارضة لدى المتلقّي. لكن في المقابل نجد أنّ الرّجل المتطرّف یعمد إلى الحدیث بشكل سلس ینقل فیھ الوضعیات المتاحة في العالم الآخر والخطوات الّتي یجب الاقتداء بھا. وغالبا ما یعطي أمثلة من المعیش الیومي للإنسان البسیط ممّا یجعله یشعر بالرّاحة والإحساس بأن مخاطبھ شخص یشاطره ھمومھ، والاقتداء بتعلیماتھ مھما كانت من شأنھا أن تخلّصھ من عالمھ الّذي قد بلغ الزھد فیھ مبلغا یدفعھ للنّظر لحیاة الآخرین
أیضا بنفس الشّكل، فقتل أناس منشغلین بنعیم الحیاة بدون حدود إلزامیة ولا آخذة بالاعتبار ما ینتظرھا في الحیاة الأخرى یصبح مبرّرا.
*******************************
*باحثة في الفلسفة الحديثة
كلية الآداب و العلوم الإنسانية
جامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة

كاتب الموضوع

alnafisa alzaher

0 تعليق على موضوع : الباحثة سميحة النعمانى* تكتب:حول ظاهرة التطرف الدينى

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017