العنف فشل في مواجهة ارادة العراقيين. المراهنة الآن على المراوغة.
الخميس 2019/12/05في كل العالم حين تفشل حكومة في حل أزمة سياسية تواجهها تلجأ إلى الاستقالة لتفسح الطريق أمام سواها لحل تلك الأزمة. ذلك ما شهدته بريطانيا مرتين أثناء معالجة مسألة انفصالها عن الاتحاد الأوروبي. استقال ديفيد كاميرون بعد أيام من الاستفتاء الشعبي الذي أسفر عن الميل الشعبي إلى الانفصال اما تيريزا ماي فإنها استقالت بعد ثلاث سنوات معترفة بفشلها في حل الأزمة.
يحدث ذلك في الانظمة الديمقراطية.
فالحكومة مقيدة بتنفيذ إرادة الشعب وإذا ما عجزت عن الارتقاء إلى مستوى القدرة على القيام بذلك فإنها تخلي الطريق لسواها.
في العراق هناك اليوم فضيحة من العيار الثقيل. فالحكومة المنتخبة ديمقراطيا كما يُقال رفضت الانصات إلى صوت الشعب الذي خرج إلى الشوارع محتجا على سياساتها بل أنها بدلا من ذلك لجأت إلى القمع واستعمال العنف في أقصى درجاته وصولا إلى القتل بالرغم من أن المحتجين لم يخلوا بالأمن العام ولم يلجئوا إلى تخريب الممتلكات العامة أو الخاصة ولم يحملوا السلاح فهم يصرون على عرض مطالبهم بطريقة سلمية.
لم تستقل الحكومة إلا بعد أن قامت أجهزتها الأمنية بارتكاب مجازر بشرية، سيكون من العسير على مرتكبيها بعدها الإفلات من قبضة العدالة. وإذا ما كانت تلك الحكومة التي تستند في وجودها على شرعية غامضة قد أطلقت الرصاص الحي على شرعيتها منذ اليوم الأول للاحتجاجات فإنها لم تتراجع عن ذلك حتى اليوم الأخير من مسيرة فسادها التي كُللت بالدم.
وفي أي نظام ديمقراطي فإن استقالة الحكومة يمكن أن تؤدي إلى الذهاب إلى انتخابات مبكرة إلا إذا كان النظام مستقرا وكانت الأغلبية البرلمانية للحزب الحاكم. وهو ما لا ينطبق على الحالة في العراق.
رئيس الحكومة العراقية المستقيل قد تم تعيينه في سياق تسوية وهو ليس منتخبا ولا يمثل أيا من الأحزاب والكتل السياسية.
وبالرغم من أن تلك الاستقالة لم ترض المحتجين فهي لم تكن إلا مطلبا قديما تم تجاوزه من قبلهم فإن الأحزاب تعاملت معها كما لو انها جوهر الصراع. لذلك فإنها تمثل دور مَن يسعى لاسترضاء المحتجين من خلال تعيين رئيس وزراء جديد يكون مقبولا لديهم.
وكما هو واضح فإن تلك المحاولة تنطوي على سخرية معلنة من المحتجين الذين سقط منهم حتى الآن أكثر من أربعمئة قتيلا وهناك أكثر من عشرين ألف جريح، بعضهم في وضع حرج.
تكمن السخرية في التغاضي المتعمد عن مطالب المحتجين الذين ينادون برحيل النظام كله، باعتباره المسؤول عن الخراب الذي لحق بالعراق عبر ستة عشر عاما والعودة إلى حياة سياسية ديمقراطية من خلال سن قانون انتخابات جديد، لا يكون مفصلا على مقاسات الأحزاب الإسلامية التي عاثت بالعراق فسادا ودمرت بنيته الاجتماعية والاقتصادية وسلمت أجياله إلى الضياع وتخلت عن استقلال العراق ووضعته في خدمة ملالي إيران.
تلك الأحزاب التي صار الشباب يضحون بحياتهم من أجل التخلص منها لا تزال تعتقد أن في إمكانها أن تعين ورثة لحكومة عادل عبدالمهدي المستقيلة ليكونوا واجهة لمصالحها وتستمر من خلالهم في إدارة شؤون البلاد بالطريقة التي تناسبها كما لو أن شيئا لم يكن.
ولأن الصوت الإيراني هو الصوت المتمكن من زعماء تلك الأحزاب فإنهم يراهنون على الخطة الثانية من الوصفة الإيرانية بعد أن فشلوا في تنفيذ الخطة الأولى التي تعتمد على استعمال العنف في أقصى درجاته. إنهم اليوم يراهنون على الوقت. فهم يعرضون على الشباب مقترحات، يعرفون جيدا أنها لا ترضيهم، غير أنهم من خلالها يمررون الوقت الذي يعتقدون أنه يجري لصالحهم. وهو أمر ليس صحيحا.
الحراك الشعبي الذي بدأ موجته الثانية في الأول من أكتوبر عفويا لم يعد كذلك. ما كان مرتجلا صار منظما. ما كان احتجاجا فرديا صار انتفاضة جماعية. ومَن يدري ما الذي يجري بين صفوف الشباب الذي وطدوا العزم على اسقاط النظام وهم يعرفون جيدا أنه يحتمي بإيران.
الزمن يمر لصالح الشباب الذين أكدوا أنهم لن يخسروا شيئا في ظل فقدان وطنهم. لذلك من المستبعد أن تربح الأحزاب رهانها في لعبة الوقت التي استعد الشباب لها
0 تعليق على موضوع : لعبة الوقت محسومة نتائجها للشعب // فاروق يوسف
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات