أمينة النقاش تكتب:مناسبة للفخر والثقة فى النفس

ليس أجمل من الاحتفال بعيد ميلاد حزب التجمع ، موضوعا للحديث ، يساعد على الفرار من ملاحقة أنباء جائحة كورونا الكونية وضحاياها وآثارها الراهنة ونتائجها المستقبلية .لعله الفخر بتاريخ حزب ممتد 44 عاما من النضال من أجل مصالح الشعب والوطن ، كان وراء القرار البارع لرئيس الحزب للاحتفال بتلك المناسبة عبر وسائط التواصل الاجتماعى ليس فقط للتعريف بجزء مضئ من تاريخ مصر السياسى المعاصر يبعث على الثقة فى النفس ،ولكن كذلك لمساعدة أعضاء حزب التجمع على التخفف من آثار العزلة المنزلية ، والامتناع عن الخروج من المنازل ، وعن لقاء الأصدقاء والأحبة ،وحفز لجان الحزب المتواجدة فى 24 محافظة على تشجيع المواطنين على الالتزام بتعليمات الحكومة بالتباعد الاجتماعى ، لكى يتمكنوا من التعاون الفعال معها ،على منع تفشى الوباء.  

من اليوم الأول لتأسيسه أدرك قادة حزب التجمع العظام، وفى القلب منهم مؤسسه وزعيمه خالد محيى الدين ،أهمية ترسيخ الحريات العامة لتمهيد الطريق نحو التقدم والاستقلال الوطنى والعدل الاجتماعى ، فضلا عن أن نجاح التجربة الحزبية الوليدة ،يظل مرهونا بتوسيع نطاق الحريات الديموقراطية .

ولم يكد يمضى على تأسيس التجمع سوى تسعة أشهر ، حتى أثبت ذلك الإدراك صحته

.فقد اجتاحت أنحاء الجمهورية من الأسكندرية حتى أسوان فى 18يناير عام 1977مظاهرات شعبية هائلة احتجاجا على قرار رفع أسعار الخبز والسلع الأساسية التى سيترتب عليها لا محالة غلاء فى الأسعار . واستمرت المظاهرات فى اليوم التالى 19 يناير ، قبل أن تعلن حالة الطوارئ ويفرض حظر التجوال ،ويلقى القبض على أعضاء حزب التجمع فى القاهرة والمحافظات متهمين من قبل الرئيس السادات وصحافته الرسمية ، بتنفيذ مخطط شيوعى لإحداث بلبلة واضطربات لقلب نظام الحكم ، بعد أن رد على إعلام حزب التجمع الذى اعتبر المظاهرات” انتفاضة شعبية “واصفا إياها بأنها انتفاضة حرامية .

أسس التجمع على الفور لجنة للحريات وأصدر نشرة بأسمها ، كان من مهامها توفير الرعاية المادية والقانونية للمعتقلين ، ورعاية أسر المحتاجين منهم ، ونشر أخبار تحقيقات النيابة معهم ، وفضح الاجراءات غير القانونية فى التعامل معهم ، وتقديم الشكاوى الواردة من أسرهم إلى النيابة العامة ، والاتصال بالنقابات التى ينتسب إليها المعتقلون للقيام برعايتهم ، والاتصال بكتاب الأعمدة بالصحف الرسمية لطلب تضامنهم فى المطالبة بالافراج عنهم، وكشف المعاملة السيئة التى قد يتعرضون لها .كانت التعليمات الحزبية التى صدرت للمشرفين على اللجنة أنه لا تفرقة فى الرعاية القانونية والمعيشية بين عضو حزب التجمع ومن هو خارجه من المقبوض عليهم ممن بلغ عددهم 176 معتقلا ، قدموا للمحاكمة ،وأصدر القاضى النزيه منير حكيم صليب حكما تاريخيا بتبرئة جمع المتهمين فى 19إبريل عام 1980 بعد عامين من المحاكمة ، متهما قرارات الحكومة بالمسئولية عن الغضب الشعبى ،مما دفع السادات للإعتراض على الحكم ،وإحالة القضية لدائرة أخرى ، أدى أغتياله إلى وقف تداولها وربما إلى تجاهلها .

واستمرت لجنة الحريات فى السير بهذا المنهج فى اعتقلات حملة سبتمبر 1981الشهيرة . وشاركت فى حملات صحيفة الأهالى لوقف التعذيب لتيار الإسلام السياسى فى السجون ، ومنحه كل الحقوق الدستورية للدفاع عن نفسه . ومن الوقائع الطريفة فى هذا السياق، أن قام مرشد جماعة الإخوان آنذاك مصطفى مشهور بزيارة لمكتب خالد محيى الدين ،لتقديم الشكر للتجمع على موقفه من معتقلى التيار الإسلامى ، وحين قدمنى إليه الاستاذ خالد واصفا إياى بمناضلة من أجل الحريات ،أثنى المرشد على كلامه ،لكنه رفض مصافحة يدى الممدودة إليه . فيوم حبسهم فى السجون كنت مناضلة ، وبعد الافراج عنهم ، صرت عورة!

كانت لجنة الحريات بالتجمع هى الأولى من نوعها فى الأحزاب القائمة ، وربما كانت هى الملهم فيما بعد لعدد من اليساريين الذين هجروا العمل الحزبى واتجهوا لتشكيل منظمات مدنية للدفاع عن حقوق الإنسان ، ناصب بعضها الأحزاب العداء!

كثيرون راهنوا على تفكك التجمع وإندثاره بعد رحيل قادته المؤسسين، لكن التجربة أثبتت فشل ذلك الرهان .وجاء هذا الاحتفال البديع بعيد ميلاد التجمع ليثبت لكل من ينقصه البرهان، أننا جماعة سياسية مترابطة لا شلة ،واننا مصرون على مواصلة السير على طريق ليس سهلا للدفاع، عن مصالح من لاصوت لهم فى مجتمعنا من البسطاء والفقراء ومحدودى الدخل ،وأننا نغلب دائما المصالح العامة لوطننا ، على الحسابات الشخصية والصغيرة ،لكى يصبح هذا الوطن محلا للسعادة المشتركة لكل أبنائه ،كما تمنى رفاعة الطهطاوى .