ماذا بعد غزوة السنك؟لقد مضت سنوات القتل الجاني وصار كل شيء مرئيا.
الأحد 2019/12/08الشهيد معروف والقاتل معروف
بعد مقتل عشرات الشباب المحتجين قرب جسر السنك ببغداد على أيدي مسلحين وصفوا من قبل رئيس الجمهورية العراقية بأنهم مجهولو الهوية يبدو واضحا أن الدولة قد رفعت يدها عن حماية المتظاهرين السلميين.
هناك مَن يؤكد أن الأجهزة الأمنية باتت منزوعة السلاح. وهي لا تملك أن تفعل شيئا في مواجهة الغزوات المنظمة التي تقوم بها الميليشيات، سواء كان أفراد تلك الميليشيات مسلحين أم لم يكونوا كذلك.
كما أن التظاهرات المضادة التي قامت بها مجموعات تابعة للأحزاب كانت بمثابة تمهيد نهاري لغزوة "السنك" الليلية. وكانت تلك المجموعات قد تم نقلها إلى ساحات التظاهر بحافلات انتظرتهم بعد أن أنهوا استعراضهم الوحشي لتقلهم إلى مراكز تجمعهم.
اما الإنكار الحكومي فإنه يشير إلى تدهور خطير على صعيد علاقة الحكومة بالميليشيات التي يُفترض أنها جزء من القوات المسلحة الحكومية. فإما أن الحكومة قد استسلمت لحكم الميليشيات وتم عزلها أو تكون الميليشيات قد خطفت الحكومة وجعلتها رهينةً لمخططها في التصدي للتظاهرات.
في الحالين فإن غزوة السنك تشير إلى تحول خطير على مستوى التدخل الإيراني في الشأن العراقي الذي لم يعد شأنا عراقيا من وجهة النظر الإيرانية التي يعبر عنها حضور قاسم سليماني لإدارة العمليات في بغداد.
الخطأ الذي وقع فيه رئيس الجمهورية العراقية في وصف الجريمة كان مقصودا. ذلك لأنه بدلا من أن يلقي تبعة ما حدث على ميليشيا حزب الله العراقي سعى إلى أن يظهر كما لو أنه لا يعلم شيئا عن هوية المجرمين، وهو ما يعني أن الأحزاب لا تزال تحرص على وجود الواجهة الحكومية وبرهم صالح "الرئيس" شخصية يمكن الاعتماد عليها في ذلك.
لم يكن الرجل ليصلح أن يكون رئيسا للعراق. ذلك لأنه لا يؤمن بوجود بلد أسمه "العراق". ذلك لأنه انفصالي. تاريخه الشخصي لا يمت بصلة إلى العراق الموحد.
وبغض النظر عن الموقف الشخصي لصالح فإن مكانته في الدولة العراقية لا تضعه في موقع، يمكن أن يكون من خلاله صاحب قرار. إنه تابع مثل غيره من التابعين. فهو يعرف جيدا أن المُلك كله للأحزاب الموالية لإيران.
ما لا يعرفه رئيس الجمهورية وسواه من شخصيات الواجهة السياسية أن غزوة السنك ستكون بداية لانهيار دولتهم. فالميليشيات التي أنكروا مسؤوليتها عن الجريمة ستكون مسؤولة عن تقديمهم إلى المحاكم الدولية.
وكما أعتقد فإن الإيرانيين لن يفكروا بمصير الدولة العراقية ولا بالشخصيات التي تمثلها وإن كانت تلك الشخصيات قد خضعت بشكل شامل للإملاءات الإيرانية.
لذلك فإن ما قامت به الميليشيات يعتبر مأثرة لا تعلم الحكومة العراقية ما الذي تعنيه. تلك وصفة إيرانية سيكون على العراقيين أن يتعلموا شروطها.
وكما أتوقع فإن غزوة السنك ستكون آخر الغزوات إلا إذا رغبت إيران في الانتحار.
العراق اليوم تحت النظر باعتباره ولاية إيرانية.
بعد غزوة السنك اختلفت الأوضاع. الشعارات التي رفعها الشباب ضد إيران صارت مرجعية حقيقية في الوقت التي كانت ميليشيات تابعة لإيران تهاجم المحتجين. كان الصراع واضحا. هناك متظاهرون سلميون يتعرضون لهجوم وحشي من قبل ميليشيات مسلحة. من يقتل مَن؟ وعلى أي أساس؟ ذلك ما تقره الوثائق والصور.
سيقف الرئيس العراقي أمام تلك الوثائق أميا ـ يجهل ما تعنيه لغة الصورة.
سيكون عليه أن يصمت أمام مجزرة السنك.
لن تمر تلك المجزرة بسلام.
على صعيد السلم العالمي فإن شيئا ما ينبغي أن يفعل. فليس مسموحا اليوم أن ترتكب المجازر. وليس مسموحا أن يكون القتلة مجهولين. لقد مضت سنوات القتل الجاني وصار كل شيء مرئيا.
0 تعليق على موضوع : ماذا بعد غزوة السنك؟ // فاروق يوسف
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات