عصفت أحلام الإرث العثماني للرئيس التركي، أردوغان، وحلم استعادة الخلافة، و"تديين" خطابه السياسي، وتمديد نفوذه في المحيط الإقليمي، بنظرية أحمد داوود أوغلو، التي عبّر عنها في مقولة "تصفير المشكلات مع دول الجوار"، التي تحكمت في أسس ومنطلقات السياسة الخارجية لتركيا، فقد طوّقت المغامرات السياسية، التي يخوضها الرئيس التركي، على المستوى الإقليمي وأطماع الهيمنة، تركيا بمشكلات عديدة.
أسّس أردوغان علاقات إقليمية يستفيد من خلالها، في بناء مصالح داخل الأزمات وبالشراكة مع أطرافها، كما هو الواقع في سوريا، ودعم جماعات الإسلام السياسي، التي شكلت لهم ملاذات آمنة لهم، كما هو الحال مع الإخوان المسلمين، ناهيك عن الدور التركي، في تسهيل ممرات عبور للمنتمين لتنظيم داعش، وتسللهم من حدودها، والحصول على دعم لوجيستي قوي.
الأزمات الاقتصادية تعصف بالميزانية التركية التي يبلغ العجز فيها نحو 17.28 مليار دولار، أي ضعف ميزانية عام 2016
وفي خضم تلك التحولات والانعطافات الحادة للسياسة التركية، التي تتقاطع مع الأزماتالاقتصادية التي يشهدها العام الحالي، في الميزانية الحكومية، التي يبلغ العجز فيها نحو 17.28 مليار دولار، أي ضعف ميزانية عام 2016، إضافة إلى الأزمات السياسية المحتدمة في أنقرة، فتتصاعد على خلفياتها معارضة قوية ومتنامية، ضد السياسة "الأردوغانية".
هندسة القمع
في ظلّ تمديد حالة الطوارئ في تركيا، لمدة ثلاثة أشهر جديدة، وهو سادس تمديد من نوعه، في تاريخ البلاد؛ حيث تم فرض القانون، إبان محاولة الانقلاب، في تموز (يوليو) 2016، وكان من المفترض انتهاء العمل به، في 19 كانون الثاني (يناير)، شهدت أنقرة تحت وطأته حملة اعتقالات، بتهم التورط والتخطيط للانقلاب.
وقد وصفت ممارسات الحكومة التركية، وأساليبها في التعامل مع المشكلات التي تواجهها بــ "القوة الخشنة"؛ من ممارسة القمع بصورة موسّعة ووحشية، بما يخصم من رصيدها الحقوقي أمام حلفائها في الغرب، وقوى المجتمع المدني، التي تشير في تقاريرها إلى سوء أوضاع الحريات وترديها، إضافة إلى تكرار الاعتداء على الصحافيين، وتسريحهم من وظائفهم، وفرض مزيد من الرقابة على المنصات الإعلامية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
قادت حالة الطوارئ إلى اعتقال أكثر من 50 ألف شخص، وإيقاف 150 ألف، في القطاعين العام والخاص والعسكر
فاحتلّت تركيا المرتبة 155 من أصل 180، في ترتيب حرية الصحافة، الذي وضعته منظمة "مراسلون بلا حدود" في تقريرها السنوي.
وعلى هامش ذلك؛ كان التوتر السياسي يتفاقم على خلفية ملفات أخرى، مثل الموقف من الأكراد، بينما تدخل المعارضة السياسية وحرية التعبير في الصحافة، حيّز التضييق والخناق.
المعارضة في تركيا في أقبية السجون
وقادت حالة الطوارئ المفروضة إلى اعتقال أكثر من 50 ألف شخص، وإيقاف 150 ألف شخص، في القطاعين العام والخاص، والعاملين بالمؤسسة العسكرية، حيث تسمح حالة الطوارئ للرئيس ومجلس الوزراء، بتجاوز البرلمان وتعطيل دوره، في إقرار تشريعات لتقييد الحريات وتقييدها أو تعليقها بدون العودة له.
ولئن لم يعد الوضع الحقوقي ومسألة الحريات في تركيا، أمراً استثنائياً وجديداً، في تراجعها ومعاداتها للحريات؛ فكان من المنطقي استقبال الموقع الجديد، الذي تحتلّه في تصنيفها من بلد "حرّ جزئياً" إلى بلد "غير حرّ"، وفق منظمة "فريدم هاوس"، في تقريرها السنويّ الذي أصدرته الشهر الماضي.
وأشار تقرير اللجنة الدولية لحماية الصحافيين، إلى أنّ تركيا تحتلّ المرتبة الأولى، من حيث عدد الصحافيين المعتقلين، خلال العام الماضي، وأوضح التقرير أنّ سبب اعتقال 74% من الصحافيين يرجع إلى معارضة السلطات.
ويقبع نحو 600 شخص، في السجون والمعتقلات، منذ دخول الجيش التركي، منطقة عفرين في سوريا، لمجرّد أنّهم عبّروا عن انتقادهم ومعارضتم العملية العسكرية، عبر الاحتجاجات التي خرجت للشوارع، أو كتابة آرائهم على منصات التواصل الاجتماعي.
وكشفت لجنة حماية الصحافيين، أنّ عدد الصحافيين السجناء حول العالم، بلغ رقماً قياسياً، خلال عام 2017، فيما أشارت إلى أنّ أكثر من نصفهم يقبعون في سجونتركيا والصين.
ووصف مفوض حقوق الإنسان الأوروبي، نيلس مويزينيكس، فقدان حرية وسائل الإعلام وحرية التعبير في تركيا، بأنها بلغت "حداً خطيراً"، منذ إعلان الدولة حالة الطوارئ.
أحلام الخلافة.. كابوس تركيا
وانتقد مفوض حقوق الإنسان الأوروبي، تعريف الحكومة الفضفاض للإرهابوالدعايات الإرهابية، التي تشمل بيانات لا تحرّض على العنف، وسجن العشرات من الصحافيين، والإفراط في استخدام قوانين الإساءة للسمعة لإسكات المنتقدين، وقطع الإنترنت، واستخدام موارد الدولة في وسائل الإعلام الموالية للدولة.
يشير الدكتور محمد عبد القادر، الباحث في الشأن التركي، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ "تركيا تشهد انتهاكاً بالغاً في الحالة الحقوقية، وحرية التعبير، على مستوى الصحافة والمعارضة السياسية، بكلّ مكوناتها وأشكالها، فضلاً عن أنّ ذلك التعدي على حقّ التعبير، تجاوز فكرة انحسار وتراجع مساحة الحرية والتضييق عليها، أو تهميشها، إلى مصادرة مؤسسات صحافية كاملة، وعزل مجالس إدارتها، وتعيين أخرى، تصبح ولاءاتها للحزب الحاكم وسياساته، كما تدعم مواقفه وتعبّر عن مصالحه وتوجهاته، وتفقد استقلاليتها وتنتقل إلى تبعية مباشر "للعدالة والتنمية"".
وبسؤاله عن تفسير هذا الوضع المتردّي، في ضوء المشهد الإقليمي، التي تتورط فيه أنقرة، بتدخلات عسكرية وضغط سياسي، كما يحدث في عفرين، يوضح عبد القادر، أنّ "تركيا تعمل على تهيئة الساحة الداخلية، من خلال فرض قوانين عديدة، مثل الطوارئ، بهدف إقصاء المعارضة وتصفيتها ومصادرة السياسة، وتحويل النظام السياسي في تركيا، إلى نظام سلطوي، يحوز السلطات كافة، التي تنكمش في يد رئيس الدولة، ويفقد معها البرلمان قدرته، على استيعابالمعارضة وتنظيمها بشكل ديمقراطي، ناهيك عن الدور الإقليمي، الذي يتقاطع مع الظرف المحلي؛ فهو جزء من تعبئة وحشد خطاب سياسي يتماهى مع مشروعه الجديد، الذي يستدعي فيه إرث الدولة العثمانية ومشروع الخلافة، بصراعاتها الهوياتية والطائفية الدينية والقومية، وبالتالي يكون بمقدر أردوغان، أن يحقق شرعية لعملياته العسكرية في الخارج، وقمعه للمعارضة بالداخل".
0 تعليق على موضوع : أحلام الخليفة أردوغان تمر عبر أقبية السجون وتكميم الأفواه
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات