إعلام "ذيل" القطة

مدوّن عابر نجح بتغريدة واحدة في ضرب كل ادعاءات المصداقية الإعلامية وأظهر كم نحن مفلسون حرفيا وفارغون فكريا، وللأسف بذات الطريقة التي هزَّ فيها ذيل قطة قبل عقود الثقة بكل قواعد نخبتنا النقدية.

يُحكى أن الكاتب المصري الراحل أحمد رجب، أحضر مجموعة من الألوان، تعمَّد أن تعيث فيها قطته الصغيرة بذيلها وتجري على قطعة قماش، لتشكّل لوحة “تشكيلية” وضعها في إطار فخم ثم ذهب بها إلى بعض المثقفين لإبداء الرأي الفني والنقدي.

بالطبع جاءت الإشادات والتحليلات حول المدرسة الفلسفية العميقة التي تتماسّ مع المشاعر الكامنة في النفس الإنسانية التي تشع بإطلالاتها على الصعيد الكوني، لتستنبط من الإشعاع الفكري نسقها التجريبي المنحوت بأنامل فردية ما يأمله العقل الجمعي المتقوقع على ذاته.

وترسم مع قوس قزح معالم الجمال الصامت الذي يترسخ عبر الريشة الإبداعية بحسها العبقري في عمق التجربة الفنية وامتداد مخزونها الإيقاعي إلى أعمق حقل غاز حيّر علماء الذرة وجعل منهم مجرد عوالم “ذرات” بتعبير المسرحي سمير غانم!.. إلى آخر ذلك من العبارات المؤدلجة التي لا نفهم منها جملة واحدة مفهومة. ليظهر بعدها كاتبنا الساخر ضاربا كل الآراء النقدية في مقتل، وأشار إلى أن لا مدرسة تشكيلية، ولا فنان هناك ولا يحزنون، وأن العملية كلها مجرد “مقلب” صنعه ذيل قطة مسكينة ساقها حظها التعيس لتختبر هذا العالم النقدي الافتراضي!

هذا بالضبط ـ وإن كان بشكل معاصرـ ما فعله قبل أيام مدون مجهول اسمه “خالد عنخ آمون الأول” على تويتر، اختبر بذكاء ما يفضح السذاجة والسطحية ومنظومة “القص واللصق” الرائجة الآن في الإعلام المصري، ويزيح الستار ـ بـ”إشاعة” ساخرة حول تعيين وزير جديد للنقل بعد كارثة قطار محطة مصر الأخيرة ـ عن كارثة حقيقية تورطت فيها وسائل إعلام وصحف ومواقع وفضائيات ومذيعون جروا وراء ادعاء السبق الصحافي، ونسبوا لـ”مصادر خاصة” ما هو غير موجود أصلا.. لنكتشف بعد ساعات فقط أن الوزير المفترض ليس إلا والد المدوّن المتوفى قبل 11 عاما!



View image on Twitter



Abu saud@A_HILL56



صباح الخير ...
قبل كم يوم نشر مغرد اسمه خالد عنخ امون الأول تغريدة عن تعيين المهندس محمد وجيه عبدالعزيز وزير للنقل والمواصلات في مصر
2
10:51 AM - Mar 8, 2019
See Abu saud's other Tweets
Twitter Ads info and privacy




بسقوط الغالبية في الفخ، اتضح أننا أمام وسائل إعلام هشَّة ساهمت ـ بعبقرية محرريها ومسؤوليها ـ في تضليل الرأي العام بدلا من قيادته، وجُلَّ وظيفتها أن تنقل من الفضاء الإلكتروني وتنسبه لـ”مصادر”
مجهّلة ومجهولة لتسويد بياض صفحاتها أو ملء فراغات بثها العقيم، في غياب أي أسس ومعايير موضوعية أو مهنية.

وهكذا.. مدوّن عابر نجح بتغريدة واحدة في ضرب كل ادعاءات المصداقية الإعلامية وأظهر كم نحن مفلسون حرفيا وفارغون فكريا، وللأسف بذات الطريقة التي هزَّ فيها ذيل قطة قبل عقود الثقة بكل قواعد نخبتنا النقدية.

وسلموا لي على يتمسَّحون أو بالأحرى.. يمسحون “بلاط” صاحبة الجلالة!


محمد هجرس

كاتب مصري