تركيا.. الحزب الحاكم يفتقر إلى الأفكار مع اقتراب الانتخابات

لدى الحزب الحاكم مشكلة في إقناع الناخبين في أنقرة الذين عاشوا تحت حكم رؤساء بلديات حزب العدالة والتنمية على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية بأن الأمور ستكون مختلفة هذه المرة.

السبت 2019/03/09

أردوغان يصور الانتخابات على أنها مسألة حياة أو موت للأمة التركية

فيما لم تبق سوى أسابيع على إجراء الانتخابات المحلية في تركيا يوم 31 مارس الجاري، يواجه الحزب الحاكم مشكلة في إيصال رسالته، أو حتى في بعض الحالات تقديم أي رسالة مقنعة على الإطلاق.

كان الرئيس رجب طيب أردوغان يصور الانتخابات على أنها مسألة حياة أو موت للأمة التركية، بتحذيرات من أن الحزب الحاكم يواجه تحالفا معارضا له صلات بالجماعات الإرهابية. 

ومع ذلك، فإن أحد أبرز أعضاء حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وهو المرشح لمنصب رئيس بلدية إسطنبول، بن علي يلدريم، قد تناقض مع رئيسه ورئيس الحزب، إذ قلل من أهمية الانتخابات. حيث قال يلدريم لممثلي منظمات المجتمع المدني في إسطنبول يوم الرابع من مارس “إنها مجرد انتخابات محلية، وليست مسألة حياة أو موت”.

لدى أردوغان على الأقل مؤسسات الدولة التي يفترض أنها مستقلة تنحاز في صفه. وقد تضرر اقتصاد تركيا من ارتفاع التضخم وتراجع قيمة الليرة خلال العام الماضي، وكان ارتفاع أسعار المواد الغذائية مشكلة لافتة بشكل خاص، ما أجبر الحكومة على إنشاء أكشاك لبيع الفواكه والخضراوات بأسعار مخفضة.

أردوغان ألقى باللوم في ذلك على من يقومون بتخزين المواد الغذائية بهدف التلاعب بالأسعار، وبعد أن أعرب الرئيس عن رغبته في هبوط أسعار المواد الغذائية حتى الانتخابات، تدخلت هيئة المنافسة التركية للبدء في إجراء تحقيق في الأسعار في 23 سلسلة من المتاجر الكبرى في جميع أنحاء البلاد.

كما تعرضت شركات استطلاعات الرأي للتدقيق بسبب محاولات مزعومة للتلاعب بآراء العامة. وتوقعت نتائج الاستطلاعات التي أجرتها واحدة من الشركات، وتسمى جيزيتشي، خسائر فادحة للمعارضة في كل المدن الكبرى باستثناء بورصة، في غرب تركيا. غير أن أسلوب أسئلة الاستطلاع أثار دعوات لاتخاذ إجراء قانوني ضد الشركة.

وسألت جيزيتشي الناخبين عما إذا كانوا سيصوتون لصالح تحالف الشعب، وهو الاسم الرسمي لشراكة حزب العدالة والتنمية الحاكم مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف، أو لصالح تحالف المعارضة الذي يضم حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي والحزب الصالح القومي وحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد.

وقد أعلن ما يربو على 100 من ساسة الحزب الصالح عن عزمهم مقاضاة شركة جيزيتشي أمام المحكمة، إذ أنه لم يتم الاتفاق على تحالف رسمي مع حزب الشعوب الديمقراطي، الذي لا يثق به الكثير من الأتراك بسبب ارتباطه بالحركة السياسية الكردية.

وفي ظل استمرار تردد ما بين 17 و25 في المئة من الناخبين، فستكون هناك على الأرجح معركة انتخابية شرسة حتى يوم الاقتراع.

ويحاول المرشحون حشد الأصوات من خلال تعهدات بمشروعات وخدمات واسعة النطاق في حال انتخابهم، كما أن الوعود الطموحة التي قدمها ساسة المعارضة أثارت غضب أردوغان، الذي طالبهم بالكشف عن كيفية تخطيطهم لتمويل مشاريعهم.

مرشح حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، إكرام إمام أوغلو، اعترض على هذا التوبيخ من رئيس نقلت حكومته مئات الملايين من الليرات إلى المؤسسات الخيرية الصديقة لحزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة.

ورداً على ذلك، قال إمام أوغلو “سأقوم بتمويل (المشاريع) بأموال من مواطني إسطنبول… لن أهدر ميزانيتهم. ولن أقوم بإنفاقها على مؤسسات لا معنى لها، لكن على الأطفال الرضع وأمهاتهم”.

وفي أنقرة أيضاً، يقدم مرشحو المعارضة قائمة بمشاريع جديدة للناخبين بعد ربع قرن من حكم رئيس البلدية الإسلامي مليح غوكجك، الذي جرد من منصبه في العام 2017 بعد أن اختلف مع رؤسائه في حزب العدالة والتنمية، وخليفته مصطفى تونا.

لقد تعرض سكان أنقرة للحرمان فيما يتعلق بالخدمات خلال تلك الفترة، ولا توجد مؤشرات تذكر على أن الوضع سيتغير إذا فاز مرشح حزب العدالة والتنمية محمد أوزارسكي في 31 مارس.

أدى البناء العشوائي وسوء التخطيط في أنقرة خلال فترة مليح غوكجك إلى وفرة من الجسور غير الضرورية -بما في ذلك بعض الجسور التي تم بناؤها فوق المنتزهات التاريخية بالمدينة- بالإضافة إلى مشاكل البنية التحتية الخطيرة الأخرى. فضلاً عن ذلك فإن حركة المرور بالغة السوء في جميع أنحاء المدينة ومياه الصنبور غير صالحة للشرب، وفي كل عام يعني سوء تصريف المياه تعرض أجزاء من المدينة للفيضانات بعد هطول الأمطار الغزيرة.

وكشف العضو المؤسس في حزب العدالة والتنمية ونائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرينج تقارير عن فساد غوكجك لا يمكن احتماله، وبعد خلاف واسع النطاق بين السياسيين المخضرمين في حزب العدالة والتنمية، طالب أردوغان رئيس بلدية أنقرة بترك منصبه.

ولذلك فإن لدى الحزب الحاكم مشكلة مصداقية في محاولاته إقناع الناخبين في أنقرة الذين عاشوا تحت حكم رؤساء بلديات حزب العدالة والتنمية على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية بأن الأمور ستكون مختلفة هذه المرة. وكان ردهم، ببساطة، نفس الشعارات والوعود التي قدمها حزب الشعب الجمهوري.

هناك العديد من الأمثلة على ذلك، بما في ذلك التحوّل المفاجئ لحزب العدالة والتنمية إلى وعد الناخبين بالحدائق العامة والمكتبات بعد سنوات من المضيّ قُدماً في مشاريع البناء الضخمة، التي قضت على المساحات الخضراء من وسط مدينة أنقرة. ومع ذلك، تقل هذه المرة احتمالية النجاح في الاستيلاء على مشاريع المعارضة، لأن الناخبين الآن قد أعلنوا أن الأولوية لتوفير الخدمات، وهو ما فشلت بلديات الحزب الحاكم في تنفيذه.


ذو الفقار دوغان

كاتب في موقع أحوال تركية