ضابطان من العسكر، أحرزا نجاحات مدنية لا ينكرها جاحد، وحققا ازدهاراً ورفعة للبلدين. الأول، الألباني، اعتبره المؤرخون مؤسس مصر الحديثة وعزيزها، والثاني، اليوناني من جزيرة كريت ـوقد سبقه بنحو قرن ـ أسس مملكة تونسية تنعم برخاء اقتصادي.
الأحد 2019/03/10مصر وتونس تأسستا على أيدي ضابطين من عتاة المحاربين والعسكر
مقدمو برامج الهجاء السياسي التي تبثها بعض القنوات التركية الناطقة بالعربية، يعزفون يومياً على نغمة ما يسمى “حُكم العسكر”. وبهذا اللحن، يجري التركيز على النظام الجمهوري في مصر، لتصبح أجمل سمات الرئيس الذي أطاحت به الحشود والعسكر، أنه المدني الأول في تاريخ الجمهورية، الذي استطاع الوصول إلى الرئاسة، بمعنى ضمني يُراد تسويقه، أن السابقين، الذين حلّوا في مواقع الرئاسة، إنما ارتكبوا مخالفات مرور تاريخية، ناقضت نواميس الحياة، لمجرد كونهم “عسكرا” وبالتالي وجبت محاسبتهم بأثر رجعي، ليس على أخطائهم وحسب، وإنما لأنهم حلّوا في مواقعهم واعتدوا على الحق الحصري للمدنيين دون العسكر. فهذا وحده، عند الجماعة، يبرر الأساليب “المدنية جداً” التي سبقت فوز مرشحها بالرئاسة، ومن بينها القول علناً: إن لم يفز مرشحنا سنضطر إلى “توليع البلد!”.
في التاريخ الحديث، الذي يبدأ بعد العصور الوسطى والثورة الفرنسية، كانت السلالتان اللتان حكمتا البلدين اللذين تركز عليهما “الجماعة” وهما مصر وتونس؛ قد تأسستا على أيدي ضابطين من عتاة المحاربين والعسكر: محمد علي، الألباني مؤسس الأسرة العلوية التي حكمت مصر، وحسين بن علي، قائد فرقة الخيالة في الجيش العثماني، مؤسس سلالة “البايات” الحسينية الملكية في تونس. الضابطان، محمد علي وحسين بن علي، كانا محاربين محترفين، الأول امتهن الغزو لمصلحة الإمبراطورية العثمانية وبأوامر السلاطين، وحارب بالجنود المصريين، اليونانيين والسعوديين والروس وغيرهم. وبعد أن اشتد ساعده أكثر، هجم على مرجعيته الدولة العثمانية واحتل بعض أراضيها، لولا أن أوروبا ساعدتها على استرجاع ما اقتطعه من أراضيها، ثم على حماية نفسها منه. أما الثاني فقد بلغ من السطوة، أن أجبر السفن الأوروبية على دفع جزية تأمين مرورها في المتوسط.
ضابطان من العسكر، أحرزا نجاحات مدنية لا ينكرها جاحد، وحققا ازدهاراً ورفعة للبلدين. الأول، الألباني، اعتبره المؤرخون مؤسس مصر الحديثة وعزيزها، والثاني، اليوناني من جزيرة كريت ـوقد سبقه بنحو قرن ـ أسس مملكة تونسية تنعم برخاء اقتصادي. لكن الخيبة والارتهان للمستعمر، جاءا في عهود أولئك الذين جاؤوا بعدهما من الوارثين المدنيين!
محمد علي، أطاح بأسرته ضباط آخرون، من صلب الشعب الذي كان يحكمه، دون أن يعرف هو وكل أحفاده باستثناء آخرهم، النطق بلغة الضاد، والثاني أطاح به محامٍ من صلب الشعب التونسي، أسس حزباً مدنياً دستورياً حراً، وتحمّل السجون والمنافي وحمل قضية الاستقلال، فرآه شعبه “مجاهدا أكبر” ولما أصبح في سياقات الحكم، ذا نزعة مدنية جداً، اعتبرته “الجماعة” أحد ألد أعدائها، وتمنت لو أنها وجدت ضالتها في واحد من العسكر!
بهذه الثقافة، الذي بدأت به ومعه، الإخفاقات وعلل الاستبداد والفساد وحلّت الهزائم، بعد أن كانت الأمة ــ افتراضاً ــ ترغد في ترف العيش وتزهو بنعماء التنمية والعز والاستقلال الحقيقي والعدالة.
عدلي صادق
كاتب وسياسي فلسطيني
0 تعليق على موضوع : حديث العسكر
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات