تطلب سيجارة من متجر “عبد الغفور ” على أمل أن تجد زبون لكي تسدد دين الشهر , تعيش في “الكريان ” الذي بنيت أغلب بيوته من الصفيح والقزدير , الكل في الكريان يعرف أنها لا تفارق الحانات و المقاهي الليلية , تعيش رفقة أمها وأخواتها الأربعة في بيت يتقاطر في الشتاء , تنام فوق الكرطون بعدما يغرق المنزل في الماء ويبلل الفراش الذي أكلت نصفه الفئران . يعيش الناس في مدن الصفيح حالة بؤس , تذمر من الحياة , ورغبة في الإنتقام من الاخرين لأنهم محرمون في بلد يقال أنه أجمل بلد في العالم .
الساعة تشير للخامسة مساءا , هو الوقت المناسب للخروج في اتجاه شاطئ المدينة المعروف ب “لاكوت ” , أمامها معركة كبيرة . تجلس امام مراة مكسور نصفها , تتزين وتلبس لباس يظهر مفاتن جسدها , وتخرج بين أزقة القزدير التي تتوسطها مياه الصرف الصحي السوداء , تضاريس الحي القزديري تعرقل خطواتها الراقصة .
“لطيفة” في الخامس والعشرين من عمرها , ولدت في مدينة اكادير , لم تعرف من هو والدها , ولكنها عرفت أنه هرب عنها وعن أمها وأخواتها منذ زمن بعيد , ربطتها علاقة حب بشاب , ولكنه مات في صراع أفقي في الحي الجامعي , أمها تشتغل في منازل الطبقة المتوسطة أو البرجوازية بأجر زهيد لا يكفي حتى لشراء حفاضات لإبنتها الصغيرة المعاقة . اجتازت “لطيفة ” الحي القزديري واستمرت في السير قبل أن تستأجر سيارة أجرة من النوع الكبير في اتجاه شاطئ المدينة , داخل السيارة يسود ازدحام شديد , رائحة العرق تنفثها أجساد منهكة من العمل في مصانع السردين , وحدها مرأة في مجموعة رجال داخل “الطاكسي ” , تتعرض بين الفينة والأخرى لتحرش جنسي , ولكنها تعودت على مثل هذه الممارسات .
“لاكوت ” هو شاطئ مدينة اكادير المغربية , حيث توجد الفنادق التي يملك نصفها الخليجيين والأوروبيين , توجد الحانات وبيوت الدعارة , سيارات الخلجيين والسياسيين وناهبي المال العام لا تفارق المكان , الأجانب يتناولون الويسكي على جوانب البحر , اخر يجلس يشم بلاستيكة فيها مخدر دماغ , لباسه أسود , وجهه شاحب , لم يأكل النعمة منذ يومين , المتجول في هذا الشارع يعرف أن هذا المجتمع يعيش على فوارق اجتماعية قد تعجل بثورة تعصف بالأخضر واليابس . خمس دراهم هو الثمن الذي قدمته “لطيفة ” لسائق التكسي , بعدما وصلت لمكان عملها الذي فرضته عليها الوقت والزمن , تصعد على “كورنيش ” الشاطئ بخطواتها الراقصة , والهاتف في اليد اليمنى , تظن أنها تملك شركة مقاولات , تتجه صوب هوتيل في اخر “لاكوت” , في طريقها يستوقفها رجل خمسيني العمر , لحيته كالتي يفضلها أل سعود :
ــ بكم يــا حلوة
“لطيفة” عرفت أنها محظوظة اليوم , ستدفع دين “عبد الغفور”, وتشتري حفاضات لأختها الصغيرة المعاقة. صعدت مع الخليجي في اتجاه الفندق الفاخر .
وضعت سجارتها في فمها الأحمر بعد خروجها من الفندق , في جيبها عدد من الأوراق زرقاء اللون , الخليجي شرب حتى الثمالة ونام , أخذت مافي محفظته وانسحبت بهدوء , ربح معها حارس الباب مئة درهم . اتجهت نحو حانة لعلها تجد زبون اخر , في طريقها تستوقفها سيارة شرطة :
ــ لطيفة ماذا تفعلين من جديد , هل هناك زبون جديد
ــ أرجوك لا تأخذ ما في جيبي فهو ما سأصرفه على اهلي
أخذوا ما في جيبها وأمروها بالإنصراف , أو سيأخذونها لمخفر الشرطة لتقضي 24 ساعة مع السكرى و الحشاشين . دولة تدفع نسائها لممارسة العهر , وبعد ذلك تأمر كلابها بممارسة السرقة , قالت البرلمانية أن الدعارة تساهم في اقتصاد البلاد , فأصبحت ممتهنات الدعارة لا يربحن شيئا بسبب سرقة البوليس . عادت “لطيفة ” لمنزلها المغطى بالقزدير وجيوبها فارغة , جلست تتأمل أختها المعاقة , وأمها المريضة .تأملت في عجزها , أول سؤال تبادر لذهنها , لماذا نحن هكذا ؟ لماذا انا هكذا ؟ لماذا الدولة و المجتمع هكذا ؟ وضعت سجارة في فمها , وقبلت رأس أمها النائمة , وأختها التي تنظر للسقف وتنتظر من يغير حفاضاتها المنتهية أصلا , ربطت حبلا قصيرا في عمود يتوسط المنزل , وأدخلت رأسها بين الجانب الدائري من الحبل ,دموعها تسيل , تذكرت حبيبها الذي قضى في الصراع الأفقي , وفي دقيقة التحقت به .
في الصباح اهتز الكاريان على هول الحدث , وصل عناصر الشرطة الذين كانوا يسرقون مال العاهرة الميتة , كانوا يسرقون ثمن حفاضات أختها الصغيرة , يسرقون مال دواء أمها المريضة , مال دين “عبد اللغفور ” . الكلمات في كل مكان , السؤال الوحيد لسكان مدينة الصفيح الهامشية “هل ستدخل لطيفة للنار أو الجنة ؟ ” . لا نــار أقبح من التي يوجد فيها مجتمع الكاريان , ولكنهم منومون ,مخدرون , ميتون أحياء , بؤساء ودولتهم تمارس علهم العهر , على الأقل “لطيفة ” ملت من عيشة الذل والبؤس وقررت أن تكون نهايتها نهاية تضع حدا لمعاناة طالت كثيــرا , تمنت لو أنها خرجت لهذه الدنيــا بالخطأ , كما خرجت بالخطأ كانت نهايتها خطأ . عاشت في الاخطاء , هذه الأخطاء لم تكن مخيرة فيها بل فرضتها عليها الظروف
0 تعليق على موضوع : عاهرة في بلد البؤس // بقلم .:مبارك الفهيمي
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات