شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

عاهرة في بلد البؤس // بقلم .:مبارك الفهيمي




تطلب سيجارة من متجر “عبد الغفور ” على أمل أن تجد زبون لكي تسدد دين الشهر , تعيش في “الكريان ” الذي بنيت أغلب بيوته من الصفيح والقزدير , الكل في الكريان يعرف أنها لا تفارق الحانات و المقاهي الليلية , تعيش رفقة أمها وأخواتها الأربعة في بيت يتقاطر في الشتاء , تنام فوق الكرطون بعدما يغرق المنزل في الماء ويبلل الفراش الذي أكلت نصفه الفئران . يعيش الناس في مدن الصفيح حالة بؤس , تذمر من الحياة , ورغبة في الإنتقام من الاخرين لأنهم محرمون في بلد يقال أنه أجمل بلد في العالم . 
الساعة تشير للخامسة مساءا , هو الوقت المناسب للخروج في اتجاه شاطئ المدينة المعروف ب “لاكوت ” , أمامها معركة كبيرة . تجلس امام مراة مكسور نصفها , تتزين وتلبس لباس يظهر مفاتن جسدها , وتخرج بين أزقة القزدير التي تتوسطها مياه الصرف الصحي السوداء , تضاريس الحي القزديري تعرقل خطواتها الراقصة .

 “لطيفة” في الخامس والعشرين من عمرها , ولدت في مدينة اكادير , لم تعرف من هو والدها , ولكنها عرفت أنه هرب عنها وعن أمها وأخواتها منذ زمن بعيد , ربطتها علاقة حب بشاب , ولكنه مات في صراع أفقي في الحي الجامعي , أمها تشتغل في منازل الطبقة المتوسطة أو البرجوازية بأجر زهيد لا يكفي حتى لشراء حفاضات لإبنتها الصغيرة المعاقة . اجتازت “لطيفة ” الحي القزديري واستمرت في السير قبل أن تستأجر سيارة أجرة من النوع الكبير في اتجاه شاطئ المدينة , داخل السيارة يسود ازدحام شديد , رائحة العرق تنفثها أجساد منهكة من العمل في مصانع السردين , وحدها مرأة في مجموعة رجال داخل “الطاكسي ” , تتعرض بين الفينة والأخرى لتحرش جنسي , ولكنها تعودت على مثل هذه الممارسات .

“لاكوت ” هو شاطئ مدينة اكادير المغربية , حيث توجد الفنادق التي يملك نصفها الخليجيين والأوروبيين , توجد الحانات وبيوت الدعارة , سيارات الخلجيين والسياسيين وناهبي المال العام لا تفارق المكان , الأجانب يتناولون الويسكي على جوانب البحر , اخر يجلس يشم بلاستيكة فيها مخدر دماغ , لباسه أسود , وجهه شاحب , لم يأكل النعمة منذ يومين , المتجول في هذا الشارع يعرف أن هذا المجتمع يعيش على فوارق اجتماعية قد تعجل بثورة تعصف بالأخضر واليابس . خمس دراهم هو الثمن الذي قدمته “لطيفة ” لسائق التكسي , بعدما وصلت لمكان عملها الذي فرضته عليها الوقت والزمن , تصعد على “كورنيش ” الشاطئ بخطواتها الراقصة , والهاتف في اليد اليمنى , تظن أنها تملك شركة مقاولات , تتجه صوب هوتيل في اخر “لاكوت” , في طريقها يستوقفها رجل خمسيني العمر , لحيته كالتي يفضلها أل سعود :
ــ بكم يــا حلوة
“لطيفة” عرفت أنها محظوظة اليوم , ستدفع دين “عبد الغفور”, وتشتري حفاضات لأختها الصغيرة المعاقة. صعدت مع الخليجي في اتجاه الفندق الفاخر .
وضعت سجارتها في فمها الأحمر بعد خروجها من الفندق , في جيبها عدد من الأوراق زرقاء اللون , الخليجي شرب حتى الثمالة ونام , أخذت مافي محفظته وانسحبت بهدوء , ربح معها حارس الباب مئة درهم . اتجهت نحو حانة لعلها تجد زبون اخر , في طريقها تستوقفها سيارة شرطة :
ــ لطيفة ماذا تفعلين من جديد , هل هناك زبون جديد
ــ أرجوك لا تأخذ ما في جيبي فهو ما سأصرفه على اهلي
أخذوا ما في جيبها وأمروها بالإنصراف , أو سيأخذونها لمخفر الشرطة لتقضي 24 ساعة مع السكرى و الحشاشين . دولة تدفع نسائها لممارسة العهر , وبعد ذلك تأمر كلابها بممارسة السرقة , قالت البرلمانية أن الدعارة تساهم في اقتصاد البلاد , فأصبحت ممتهنات الدعارة لا يربحن شيئا بسبب سرقة البوليس . عادت “لطيفة ” لمنزلها المغطى بالقزدير وجيوبها فارغة , جلست تتأمل أختها المعاقة , وأمها المريضة .تأملت في عجزها , أول سؤال تبادر لذهنها , لماذا نحن هكذا ؟ لماذا انا هكذا ؟ لماذا الدولة و المجتمع هكذا ؟ وضعت سجارة في فمها , وقبلت رأس أمها النائمة , وأختها التي تنظر للسقف وتنتظر من يغير حفاضاتها المنتهية أصلا , ربطت حبلا قصيرا في عمود يتوسط المنزل , وأدخلت رأسها بين الجانب الدائري من الحبل ,دموعها تسيل , تذكرت حبيبها الذي قضى في الصراع الأفقي , وفي دقيقة التحقت به .

في الصباح اهتز الكاريان على هول الحدث , وصل عناصر الشرطة الذين كانوا يسرقون مال العاهرة الميتة , كانوا يسرقون ثمن حفاضات أختها الصغيرة , يسرقون مال دواء أمها المريضة , مال دين “عبد اللغفور ” . الكلمات في كل مكان , السؤال الوحيد لسكان مدينة الصفيح الهامشية “هل ستدخل لطيفة للنار أو الجنة ؟ ” . لا نــار أقبح من التي يوجد فيها مجتمع الكاريان , ولكنهم منومون ,مخدرون , ميتون أحياء , بؤساء ودولتهم تمارس علهم العهر , على الأقل “لطيفة ” ملت من عيشة الذل والبؤس وقررت أن تكون نهايتها نهاية تضع حدا لمعاناة طالت كثيــرا , تمنت لو أنها خرجت لهذه الدنيــا بالخطأ , كما خرجت بالخطأ كانت نهايتها خطأ . عاشت في الاخطاء , هذه الأخطاء لم تكن مخيرة فيها بل فرضتها عليها الظروف

كاتب الموضوع

شبكة الدانة الاعلامية

0 تعليق على موضوع : عاهرة في بلد البؤس // بقلم .:مبارك الفهيمي

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017