إذا كانت التعبيرة الفنية هي إفراز طبيعي لما ينتجه النسق الإجتماعي والنظام السياسي والواقع الإقتصادي فإن كل مرحلة تاريخية عرفت برموزها الثقافية الدالة عليها.
ويشار إلى هذه المراحل بأهمية رموزها ومنجزهم الفكري والثقافي وتأثيرهم في عموم المتلقين وليس هذا فحسب بل تحتسب رمزيتهم بقدر دورهم في التغيير والتأثير والتوجيه.
فلا أحد يستطيع أن يقف محايدا أمام صوت فيروز التي غنت كل أوجاع لبنان طوال عقود من تاريخ هذا البلد الشقيق كما غنت تفاصيل الحياة فيه.
ولا أحد يستطيع أن يغفل عن دور أم كلثوم في صوغ الوجدان العربي وليس المصري ودروها في كل المراحل التي عايشتها بدءا بالملكية ووصولا إلى الناصرية وانتهاء بمرحلة السادات وهي التي وضعت صوتها على ذمة وطنها من جمع المال للمجهود الحربي الذي به خاضت مصر حرب العبور.
وهذه استشهادات بسيطة يمكن أن نضيف لها صوت شاعر إرادة الحياة الذي يحيل على مرحلة الاستعمار في تونس والرغبة في التحرر وكسر القيود.
ولعل هذه الديباجة التاريخية نسبيا ضرورية لنفهم عمق الأزمة الثلاثية الأبعاد التي تردت فيها بلادنا والتي لم تنجح الثقافة في التعبير عنها على الأقل بالعمق اللازم بل على العكس كانت أحد تجليات هذه الأزمة.
ومناسبة هذا القول ما تداولته بعض المنابر الإعلامية حول إحتفال نجم الراب كادوريم بعيد ميلاده الذي أراده مناسبة لتقديم عطايا مادية لفائدة أبناء أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة.
وقد تعاطى البعض مع هذا الخبر بشكل فيه إعلاء لقيمة ما قام به فنان الراب وعلى العكس استهجن البعض الإهتمام الزائد بهذه البادرة حتى وإن كانت طيبة.
وجاء في حيثيات الخبر أن كادوريم احتفل بعيد ميلاده في مركز الإحاطة والتوجيه بالزهروني حيث تبرّع بمبلغ مالي للمركز بقيمة 50 الف دينار كما تبرّع بـ50 الف دينار إضافية لمركز حماية الأطفال من المخاطر.
ورغم أنّ هذا السلوك قيّم في المطلق لأن فيه سخاء مع فاقدي السند في وقت هم في أشد الحاجة إليه لاسيما بعض أن غفلت عنهم أنظار الفاعل السياسي في ظل أزمة أقتصادية خانقة، وهذا ما جعل فاقدي السند من أطفال مهددين ومن مشردين ومن الذين قست عليهم النظرة الاجتماعية القاسية يواجهون مصيرهم بمفردهم.
لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن تترك هذه الفئة الهشة لكل من هب ودب لينثر عليها عطاياه ويحاول أن يوظف ذلك لخدمة صورته الشخصية وترويجها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وإذا كان مغني الراب كادوريم يريد أن يقوم بعمل خيري فهناك عديد الجمعيات التي يمكن أن يساهم في تمويلها دون أن يكون ذلك تحت أنظار وسائل الإعلام. وليس هذا فحسب فليس هناك مجال لتتخلى الدولة عن دورها في الإهتمام بهذه الفئات الهشة ومساعدتها وهو دور مركزي لا يمكن بحال من الأحوال تركه مهما كانت الظروف وذلك حتى لا تصبح الفئات الفاقدة للسند مطية لكل المغمورين والمغامرين من ذوي المال الوفير الذين لا يجدون مصارف لصرفه فينثرونه على شاشة انستغرام وفايسبوك بدعوى أنه موجه لعمل الخير ولكنه دعاية مقنعة أو إشهار بمقابل رمزي لتلميع الصورة وتحقيق الشهرة والرواج ما دامت المضامين التي تسمى فنية لا تفي بهذا الغرض
0 تعليق على موضوع : كادوريم وعطايا المشردين... بقلم : منيرة رزقي
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات