بقلم : د . ريما البدري
منذ انطلاق ثورة الاتصالات ودخول العالم عصر صناعة المعرفة واقتصاد المعرفة بات العالم يوصف بانه قرية صغيرة ، اصبحت المعلومة تطوف ارجاءه في بضع ثواني ، وبرز دور الاعلام كأداة رئيسية واساسية والاكثرفعالية في توجيه السياسات العامة للدولة والمجتمع ،
ولكن وبالرغم من ذلك ومن كثرة الفضائيات العربية وتعدد الصحف والجرائد واختلاف المسميات ولكن الاعلام العربي استمر على نفس النمط التقليدي اعلاما سلطويا مرتبط بالنظام والسلطة، وتقوم السلطات في دعم الكثير منها لخدمة اغراضها ومتطلبات استمراريتها وبقائها ، وقد ادى هذا الواقع الى فقدان الثقة بين الاعلام والجماهير بصورة واضحة
خضوع تام للجهة الممولة
يوجد في الدول العربية ثلاثة انواع من الاعلام اعلام الدولة او الاعلام الخاص ، او الاعلام عديم الهوية ،
يعيش الاعلام العربي واقعا اقتصاديا و سياسيا و وطنيا مزريا ، و بات المُمَول هو العمود الفقري و كلمة السر لتستمر الوِسيلة الاعلامية في عملها او ان تقف ، و اياكم و مخالفة الرأي و الا ستغلق جرائدكم و تطرد فضائياتكم عن البث عبر الاقمار الصناعية ، و تحجب مواقعكم الالكترونية ، و شلن يكون هناك اثير لإذاعاتكم من جديد .
ولو اخذنا مصر على سبيل المثال (كونها الدولة الاكثر شفافية في العالم العربي )
نجد انه بعد تعويم الجنية ارتفعت مصاريف المؤسسات الاعلامية نحو 80 %
وبسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية انخفض توزيع الصحف الورقية من حوالي 4 ملاييِن نسخة يوميا الى تحو 300 الف نسخة فقط
وانخفضت القدرة الشرائية لرواتب العاملين في الاعلام بحوالي 40%
وانخفضت عائدات الاعلان نسبة 70% ِ
وهذا مكن جهات التمويل من المزيد من السيطرة والتحكم بالاعلام العربي وتوجيههه حسب ارادة ومصالح الممول
تحكم المال بالاعلام
ان وسائل الاعلام المحلية و الاقليمية و العالمية بفروعها المرئية و المسموعة و المقروءة ، لا تملك مردود مادي ربحي يكفي لإستمرار عملها ، جميع وسائل الاعلام مرتهنة لأشخاص او أحزاب او شركات كبرى تمولها بطريقة علنية اوغير معلنة لضمان استمراريتها .
ولا تستطيع وسائل الاعلام ان تستقل عن هذه الجهات وتمويل نفسها بنفسها عن طريق الدعاية التجارية
ومصادر تمويل وسائل الاعلام معروفة ، البرامج والإعلانات بشكل ظاهر و الاحزاب السياسية بشكل غير معلن ،
و في السنوات القليلة الماضية غيرت الدول استراتيجياتها ، لم تعد بحاجة لوسيلة اعلامية غير معروفة لتعبر عنها، صارت تبحث عن وسائل اعلامية واضحة الانتماء ، واصبح لا مكان للون الرمادي في السياسة الاعلامية (يا ابيض يا اسود). يا معي يا ضدي
سيطرة المصادر الاخبارية الاجنبية
الاعلام العربي لا يمتلك هُوية مستقلة او كيان مستقل ، ولم تكن له خصوصية عربية او وطنية محلية خاصة وهو في الغالب مجرد صورة عن الاعلام الغربي .
باستثناء فترة قصيرة جدا هي فترة الطفرة القومية في منتصف القرن الماضي ، حيث لعب الاعلام العربي دوراً اساسياً ومستقلا في هذه المرحلة و لكنه تراجع فيما بعد، وصولا الى مرحلة التبعية الشاملة والتقليد التام الاعلام الغربي
والعامل الحاسم في فقدان الهوية المستقلة يرجع للمصادر الاخبارية التي يعتمد عليها الاعلام العربي
فالمصادر الاخبارية للاعلام العربي هي مصدران
الاول : المصدر الحكومي
الثاني : وكالات الانباء الاجنبية
ويشكل هذان المصدران 95 % من المعلومات التي تنشرها وسائل الاعلام
وحسب التقارير المعتمدة فان العالم بأكمله يحصل على اكثر من 80% من اخباره عن طريق الوكالات الخمس الكبرى على الساحة الاعلامية ،من لندن وباريس ونيويورك وموسكو، وهي مقرات الوكالات الخمس الكبرى:
رويترز البريطانية، وكالة الصحافة الفرنسية، وكالة أسيوشيتد برس الأمريكية، وكالة يونايتد برس انترناشيونال الأمريكية، ووكالة تاس الروسية.
وهذه الوكالات الخمس هي المصدر الرئيسي للاخبار والمعلومات التي تبثها وتنشرها اجهزة الاعلام العربية
التحكم في تغطية الاخبار
رويترز البريطانية، وكالة الصحافة الفرنسية، وكالة أسيوشيتد برس الأمريكية، وكالة يونايتد برس انترناشيونال الأمريكية، ووكالة تاس الروسية.
وهذه الوكالات الخمس هي المصدر الرئيسي للاخبار والمعلومات التي تبثها وتنشرها اجهزة الاعلام العربية
التحكم في تغطية الاخبار
ان البث و تغطية أحداث معينة في المنطقة العربية محصور للوكالات الاجنبية الدولية و غالبا لا يسمح للوسائل الاعلامية المحلية او العربية بالدخول لمنطقة الحدث .
وطبيعي ان التحكم في مصادر الاخبار يعني حكما التحكم في طبيعة الاخبار ، و غالبا ما تركز وكالات الانباء العالمية ، على اخبار الكوارث و الحوادث و الامور السلبية ، التي تحدث في المنطقة العربية وذلك بهدف افقاد المواطن العربي الشعور بالامل بالمستقبل وسيطرة الاحباط واليأس على الشارع العربي ؟
بالاضافة الى سيطرة الجهات السياسية على وسائل الاعلام والذي يعتبر أحد اهم أسباب فقدان الاستقلالية الاعلامية ؟
فمعظم الدول العربية إعلامها رسمي في الغالب ، تابع للسلطة ، ربما لبنان هو البلد الوحيد الذي يحوي مؤسسات خاصة ، ولكن هذه المؤسسات الخاصة تابعة مباشرة لجهات و احزاب معروفة. وبالتالي غير مستقلة
الاسباب الرئيسية لتخلف الاعلام العربي
- الاعتماد على الجهات المتعددة للتمويل مما يخضع الاعلام لارادتها
– غياب الشفافية والمهنية في ايصال المعلومة ، واتباع سياسات معينة بعيدا عن اسس العمل الاعلامي .
– التخلف عن ركب التطور الذي يشهده الاعلام العالمي ، والضعف في التعاطي مع التكنولوجيا الحديثة ، الذي تعاني منه وسائل الإعلام وعدم توفر التقنيات لديها.
– ضعف المناهج التعليمية الخاصة بالأعلام في الجامعات، والاعتماد على المناهج القديمة .
– غياب حرية التعبير وضيق المساحة المتاحة لوسائل الإعلام الخاصة وفرض الرقابة الحكومية الصارمة .
– تدني المستوى الثقافي والعلمي لدى المتلقي العربي (ضعف الوعي العام في المجتمعات العربية )
– سيطرة الحكومات بشكل أو بأخر على كافة وسائل الإعلام الحكومي منها والخاص
ما هو الحل ..؟
الاقتصاد هو الحل قد يتسائل البعض وهو محق هل لدى اي دولة عربية القدرة والامكانيات على تحرير اعلامها الوطني من التبعية (التمويلية) والتبعية (لوكالات الانباء الاجنبية) ..؟
الجواب بالتأكيد لا ,, لا توجد امكانية عند اي دولة عربية
في المقابل قد يفرض سؤالا نفسه ,,هل ستواصل وسائل الاعلام العربية مسيرتها في تعميق الانحدار الثقافي وترسيخ الوعي الزائف .. ونشر المسكنات والمخدرات ..؟
الجواب بالتأكيد نعم ,,
اذا ما الحل ,,؟
الحل لا يمكن ان يكون بمعزل عن تطور نمط الانتاج الاقتصادي ونجاح خطط التنمية الاقتصادية مما يؤدي اجباري الى مناخ واسع من الحريات وانتعاش اقتصادي يدفع بالتنافس بين الشركات كافة الى اعتماد الاعلام كوسيلة للوصول للجماهير مما يرفع من ايرادات الاعلان ويحقق استقلالية للمؤسسات الاعلامية
وايضا يؤدي التطور الاقتصادي الى تحسين مستوى المعيشة وتحسين الرواتب للعاملين بالاعلام مما يحقق درجة كبيرة من الاستقار النفسي والمعنوي الامر الذي يفجر الابداعات والمبادرات في انتاج مادة اعلامية تساهم بعمليات التنمية على مختلف الاصعدة
اذن القاطرة لارئيسية للتغيير هو الاقتصاد ,, وبدون برامج تنمية اقتصادية شاملة لا يمكن ان يتطور الاعلام ولا غير الاعلام
-----------------
استاذة وباحثة في الاعلام
الجامعة اللبنانية - بيروت
0 تعليق على موضوع : الاعلام العربي : واقع متخلف قاتم .. الاسباب والظواهر - والحل
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات