صدّق الرئيس التركى مؤخراً على تعديلات على قانون الطوارئ وفقاً للمرسوم بقانون رقم 696 الصادر فى ديسمبر 2017، والذى بمقتضاه حصّن المدنيين الذين تصدّوا لحالة الانقلاب مستخدمين القوة من المسئولية الجنائية، سواء تم هذا وقت وقوع الانقلاب أم بعده، وإذا كانت المحاولة الانقلابية وقعت فى 15 يوليو 2016 فإن القانون المشار إليه لم يحدد سقفاً زمنياً لهذا الإعفاء، ودون النظر إلى حمل هؤلاء صفة رسمية لأداء هذه المواجهات من عدمه! وانتقد العديد من القوى الوطنية التركية هذا التعديل، فوصفه الرئيس التركى السابق عبدالله جول بأنه «لا يتوافق مع معايير دولة القانون ويبعث على القلق»، وطالب السلطات التركية بمراجعته، كما عبّرت السيدة «ميرال أكشنار»، الزعيمة القومية الملقبة بالمرأة الحديدية فى تركيا، عن استنكارها للتعديل بتغريدة أطلقتها على حسابها، قالت فيها: «إن السماح للمواطنين باستخدام وحمل السلاح بحجة صد محاولة الانقلاب يجر البلاد لحرب داخلية».
ولعل السؤال الذى يُطرح بقوة فى هذا السياق: ماذا وراء هذه التعديلات التشريعية المريبة من أغراض؟
والإجابة، من منظور أمنى وقانونى، أن الرئيس وحزبه يضمنان لعصابات وتنظيمات إرهابية القيام بعمليات إجرامية ضد خصومهما السياسيين، فى ظل إعفاء تشريعى من المسئولية.. وذلك بدعوى مواجهة الانقلاب الذى انتهى وأصبح ماضياً، إلا أن الواقع القانونى الذى فرضه «أردوغان» بالتعديل التشريعى المشار إليه خلق انقلاباً حقيقياً على الشرعية، فكفلت بموجبه الدولة للمدنيين حق التدخل المسلح ضد من تعتبرهم ميليشياتها انقلابيين!
ولعل هذا المرسوم بقانون الذى أصدره أردوغان يجعل للمقاربة بينه وبين تجربة الصحوات فى العراق مجالاً للتنظير.. حيث تتلخص تجربة الصحوات فى قيام دولة العراق بتسليح تجمعات عشائرية لمواجهة التنظيمات الإرهابية كـ«القاعدة وداعش»، وكانت بداية ظهور هذه التجربة فى نهاية عام 2006، وانتشرت بشكل ملحوظ فى مختلف أنحاء العراق، ليصل عدد منتسبيها إلى ثمانين ألف مقاتل، ومؤخراً اتخذ مجلس الوزراء العراقى فى فبراير 2017 قراراً بحل الصحوات، وبهذا فتجربة الصحوات ارتبطت بحالة ضرورة استثنائية عجزت فيها قوات الجيش والشرطة العراقية عن القيام بواجبها فى مواجهة التنظيمات الإرهابية التى ترتكب جرائم واسعة النطاق فى المرحلة الزمنية المشار إليها.
ومادمنا تحدثنا عن تجربة الصحوات فحرى بنا الإشارة إلى أن الجرائم الإرهابية التى ارتُكبت فى شمال سيناء، خاصة التى نالت من أبنائها الوطنيين الشرفاء الذين تعاونوا مع قوات إنفاذ القانون، ترتب عليها ظهور نداءات بتسليح قبائل سيناء لمواجهة تلك التنظيمات.. وكانت القيادة السياسية المصرية حازمة كل الحزم فى رفض هذه الدعوات التى تحمل فى طياتها خطورة بالغة على الأمن القومى المصرى، مؤكدة أن حمل السلاح واستخدامه المشروع فى مواجهة الجريمة هو حق حصرى لقوات إنفاذ القانون من جيش وشرطة مصر.
وفى نهاية هذه الكلمة فإن تحليل مجمل الأداء السياسى للرئيس التركى أردوغان يؤكد أنه يتسم بالاضطراب الشديد على المستويين الداخلى والخارجى، فعلى المستوى الداخلى اعتقل الرجل الآلاف من أبناء شعبه، سواء ممن شارك حقيقة فى الانقلاب، أم من خصومه السياسيين.. بدعاوى زائفة بتوافر شبهات على تورطهم فى الانقلاب، أما على المستوى الخارجى فعلاقاته مع أوروبا وأمريكا ساءت، إضافة إلى تدهورها أيضاً مع أهم دول الخليج العربى، والعراق وسوريا، ناهيك عن مناصبته العداء للدولة المصرية، خاصة بعد اتفاقه المريب مع السودان، والذى مُنحت تركيا بموجبه وجوداً ربما يصبح عسكرياً فى جزيرة سواكن وهى القريبة من الحدود الجنوبية المصرية على البحر الأحمر، لذا لا أستبعد كمحلل أمنى أن تقوم مصر بمواجهة عسكرية مباشرة لهذا الوجود حال تعرُّض أمنها القومى للخطر. والغريب أن هذا الرئيس يتسم أداؤه السياسى مع إسرائيل بنوع من الفصام السياسى، فهو حريص كل الحرص على توثيق علاقاته مع دولة الاحتلال، بل وأفعاله تصب فى النهاية لصالحها..! هذا وإذا كان أداؤه السياسى مضطرباً وفقاً للشواهد السابق ذكرها، فإن أكبر خطاياه تتمثل فى دعمه اللا محدود لتنظيم داعش الإرهابى، وهو الأمر الذى يجب أن يحاكم عليه دولياً.. إلا أنه وللأسف لا تتوافر فى الوقت الحالى منظومة متكاملة وفاعلة للعدالة الجنائية الدولية!؟
*نقلًا عن جريدة الوطن المصرية.
0 تعليق على موضوع : سقطات أردوغانية: أصدر قانوناً يحض على الجرائم ويُعفى من المسئولية! - شوقى صلاح
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات