قمع الأنظمة، أى أنظمة، للأفراد، مفهوم ومعروف. هو غير مقبول، نعم، لكنه يظل واقعاً تاريخياً منذ نشأة التجمعات السكانية. أما قمع الأفراد لبعضهم البعض، فلا هو مفهوم أو معروف، لكنه سمة من سمات حياة المصريين هذه الآونة.
تكتب على صفحتك على «فيسبوك» أنك تدعم الرئيس السيسى ليترشح مجدداً فى الانتخابات المقبلة بناء على ما تم من إنجازات، فتجد من يوسعك تلسيناً ويهريك اتهامات بالانبطاح ونعوت بالانكسار، واصفاً الإنجازات بـ«الفنكوش» والمصدقين لها بـ«الأغبياء». تغرد على حسابك على «تويتر» بأنك تؤيد ترشح المحامى والناشط خالد على لما له من مواقف وطنية وجهود ومثابرة على إثبات مصرية تيران وصنافير، فيهجم عليك أصدقاؤك من المؤيدين للرئيس السيسى والكارهين لخالد على بأن من يؤيد «أبوصباع» فهو خائن ومن يدعم ترشحه فهو عميل.
تنخرط فى حديث عائلى يجمعك بأقاربك فى جلسة ذات صباح على صفحة النيل وتتحدث عن جماعة الإخوان وأنصارها باعتبارهم مغيبين ومضحوكاً عليهم باسم الدين، فينبرى أحدهم ممن لا يمت للأسرة بصلة ليجاهر فى حديث هاتفى مفتعل بأن كارهى (محمد) مرسى ومن أسقطوه يتجرعون مرارة سير الوطن فى طريق الكفر وانتهاج المواطنين سبيل الإلحاد.
تعبر عن وجهة نظر بأن إلقاء القبض على كل من يبدى هوى إخوانياً أو تخوين كل من رأى فى الدكتور محمد مرسى قائداً للبلاد فى انتخابات عام 2012، فتجد من يهب فيك مطالباً إياك بوضع لسانك فى داخل فمك لأن ما تقوله هراء وما تعبر عنه ترهات.
تكتب مقالاً تقول فيه إن خلطة الدين بالسياسة الجهنمية أدخلت البلاد فى نفق مظلم، وأن اعتناق ثقافات دول مجاورة بديلاً عن الثقافة المصرية أغرق العباد فى بحور يصعب الخروج منها، فتستقبل مكالمة هاتفية يطالبك فيها قارئ بالاعتذار لأن ما كتبته ازدراء للإسلام وإهانة للمسلمين.
تتحدث فى لقاء عن دور مؤسسة الأزهر الغائب عن تصحيح الخطاب والمتشبث بما أكل عليه الزمان وشرب من غير صحيح الدين، فيتهمك أحدهم بأنك تسب الأزهر وتقذفه.
ترتدى ملابس ترى أنها تناسبك ولا تضر أحداً أو تنفعه، ولأنها لا تندرج تحت بند مقاييس الأيزو المعتمدة شعبياً والحاصلة على ختم مشايخ زوايا تحت بئر السلم، يتهموك بالفَرْنجة وينعتوك بمحاولة إثارة البلبلة ونشر الزندقة.
تصفق لمشروعات بنية تحتية وتشعر بالامتنان لمن نفذوها وتتفاءل بالمستقبل من منطلقها، فيسارع أحدهم إلى فقع ضحكة ساخرة والبربشة بعيون غير مصدقة، مؤكداً لك أنك بقناعتك تلك وبتفاؤلك هذا أصبحت داعماً للقمع وبت موالساً للسلطة. تتشكك فى أولوية مشروعات كبرى وتنتقد إنفاقاً على ما لا يبدو لك أنه أولوية قصوى، فتجد من يعايرك بما مرت به مصر من قبضة إخوانية وفسادات مباركية ويذكرك أنك بانتقاداتك تلك تساعد على عودة الإخوان أو إعادة ظهور الفساد.
قمع الأنظمة مردود عليه، إن لم يكن جهراً فسراً، وهو إلى زوال سواء بالتعليم أو التثقيف أو التمكين أو الحراك أو الانتفاض، أما قمع الأفراد ففيروس مجنون يضرب بعنف ويخلف وراءه شعباً مهلهلاً مفتتاً قوامه السفسطة وإطاره القمع لغرض القمع.
0 تعليق على موضوع : القمع المفهوم والقمع المجنون - أمينة خيرى
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات