صعب على داعش امتلاك قدرة عسكرية في السيطرة على أراضٍ عراقية أخرى لكن لن يكون صعباً تنفيذ عمليات ارهابية سواء كانت روتينية أو نوعية ضد أهداف مهمة.
بقلم: حسين جاسم الخزاعي
تتواتر أخبار هزيمة تنظيم داعش في آخر معاقله المهمّة كالقائم وراوة وآخر أهم مراكز تجمعه الحيوية واللوجستية وهي مدينة البو كمال السورية، والأخيرة تمثل أهم المدن المتبقية لديه بعد خسارته للرقة وأغلب مناطق دير الزور في سوريا، اذ كانت ولفترة قريبة جداً منطقة التبادل التجاري والاجتماعي وكذلك الأمني لتنظيم داعش ومن أهم مخابئ قياداته الأمنية والعسكرية والإدارية.
عانت البو كمال في الآونة الأخيرة من مشاكل ومعاضل واجهها تنظيم داعش المسيطر عليها وصعب تلافيها وادراكها وبالإمكان القول بأن أهم تلك المشاكل هي:
1• تكدس هائل للمقاتلين المنهزمين من المناطق المحررة من قبل القوات الأمنية التي تطارد داعش، وكذلك تكدس عوائل اولئك المقاتلين المدحورين. فلقد حدثت إثر ذلك مشاكل ومشادّات كلامية خصوصاً بين الأنصار والمهاجرين، اذ رفضت عوائل الانصار (المقاتلين المحليين) استقبال وايواء المهاجرين )المقاتلين الأجانب) مما حدا بالتنظيم الى اسكانهم في الجوامع والمناطق العامّة.
كما أدى انخفاض موارد التمويل وشح الأموال الى التقصير في سد حاجيات ذلك الكم الكبير من العوائل وتأمين المؤن الخاصة بهم، وأدى بدوره الى اصابة المقاتلين الأجانب بالإحباط، وصدمتهم بما يحدث حيث أن الواجب أن يتقاسم الأنصاري المهاجر في كل الأمور حتى في رغيف الخبز اقتداءً وسيراً بالنهج الذي اتبع إبان هجرة الرسول وأصحابه الى المدينة المنورة واستقبال الأنصار لهم. ادى ذلك الى وقوع التنظيم في أزمة سد حاجات هذا الزخم، والإحباط النفسي والصدمة الشرعية -إذا جاز التعبير- والتي أثرت على روحية المقاتل الأجنبي والذي يعتبر من أهم وسائل ومدخرات القتال لدى التنظيم.
2• هروب واختفاء الكثير من المقاتلين واللوجستيين في داعش واختفائهم من البو كمال من دون العثور عليهم، وهو ما دعا الى الاستنفار الأمني وانتشار ظاهرة الاعتقالات والتحقيقات بين صفوف داعش. وقد تنوعت صنوف الهاربين بين اجانب ومحليين وبين عسكريين واداريين، ولعلّ من أهم من هرب من العسكريين المهمين من المحليين هو المدعو ابو سعد الجليباوي، وهو من قيادات ولاية الفرات والذين تبيّن أخيراً أنه التحق بعناصر جبهة النصرة وتسلم منصباً قيادياً بين صفوفهم، وهناك عدّة مقاتلين اوربيين وآسيويين هربوا مؤخراً باتجاهات مجهولة .
3• الخروق الأمنية وضربات التحالف، حيث تطوّر العمل الاستخباري ضد داعش في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، وخصوصاً الاختراقات التي يقوم بها جهاز المخابرات الوطني العراقي بالتعاون مع دول التحالف الدولي، والتي أدت الى مقتل أهم قيادات داعش سواء في العراق أو في سوريا، ومنها الضربات التي تلقتها في البو كمال في مؤخراً.
هناك تصدع واضح في الجسد الأمني لداعش من خلال انكشاف تحركات قياداته المهمّة والتي تتبع أشد الاساليب الأمنية والتخفي والمخاتلة، ورغم ذلك فإنهم يفاجأون بضرب عجلاتهم أو مواقع اجتماعاتهم من الجو بالطائرات المسيّرة، كما تعرض التنظيم للكثير من الاختراقات الأمنية لمواقعه السريّة واجهزته الالكترونية، وغدت دفاعاته في أشد حالات الوهن والمقاومة.
4• صدور اعتراضات ذات ابعاد شرعية على نهج أبي بكر في إدارة امور الخلافة وتعيين من هم غير مؤهلين للإدارة العسكرية والشرعية واللوجستية، وهي اعتراضات صدرت من اشخاص لهم مكانة داخل التنظيم وآخرها كانت (النصيحة الهاشمية لأمير الدولة الإسلامية) تناولتها مواقعهم الداخلية وصدرت من أحد شيوخ التنظيم جزائري الجنسية، ونصّت على اشد التقريعات والاشكاليات الشرعية، وأدى ذلك بالتنظيم الى صدور اجابات وردود واتخاذ أشد الاجراءات الأمنية ونشر أمر بالبحث والتحري عن هذا الشيخ وإهدار دمه.
5• اقتراب القوات الأمنية من البوكمال ومن عدّة جهات، فقد اقترب الجيش السوري من البو كمال واحتل نسبة لابأس بها من أراضيها وكذلك قوات سوريا الديمقراطية من جهة شمال المدينة، مما ينذر بسقوط المدينة وبشكل عاجل ومتسارع، ويؤدي الى قلة فرص داعش بالحفاظ عليها في ظل معنويات منهارة وفقدان ارادة القتال بشكل كبير. ذلك ينذر بأن داعش امام وضع منهار وإرادة واهنة جعلته يبدأ بترك البو كمال لتبدأ مرحلة حساسة جداً في تأريخ هذا التنظيم الإجرامي الذي تمتع ولفترة 3 سنوات بالقوة وإرادة القتال والدفاع والاثخان بالعدو والتمدد في أراضٍ واسعة، وإن وضع المقاتلين الحاليين الذين خسروا البو كمال آخر أرض للتمكين هو بين ثلاثة خيارات وبحسب الأصناف وهي:
1• الصنف الأول، وهو الصنف الذي فضّل الدفاع عن الأرض التي هو فيها حتى الموت، لأنه قدم ما يسمّى بيعة الموت، وهم آخر العنقود والذين سيكون مصيرهم الموت الحتمي لا محالة.
2• الصنف الثاني، هم القادة والمهمون في التنظيم واتباعهم من بعض الكتائب والفرق المتبقية والذين اختاروا أو أمروا باللجوء الى الصحراء كإعادة تموضع واطلاق عمليات دورية ضد المصالح والأهداف التابعة للعراق وسوريا، وبذلك اندفعوا نحو ما يسمّى بالجزيرة ما بين العراق والشام، وكذلك وادي حوران وأطرافه، وعلى مايبدو أنها ستراتيجية مؤقتة أو سبات ولملمة أشلاء ولعق جراح وترتيب صفوف .
3• الصنف الثالث، وهو مهم جداً، وهم المتوجهون الى تركيا ومنها الى إمارات التنظيم البعيدة عن أرض التمكين، وتكمن أهميتهم في أنهم متفرقون وصعب تتبعهم وكذلك حجم المسؤولية التي سيضطلعون بها في المناطق والبلدان التي سيتوجهون إليها، إذ بلا شك سيشكلون خلايا نائمة وتنظيمات سريّة واعادة ترتيب الاولويات، وستتقوى ولايات التنظيم البعيدة بهم وستستفاد من قدراتهم التي اكتسبوها من سنين القتال في أرض التمكين.
سيكون من الصعب على داعش أن يمتلك قدرة عسكرية في السيطرة على أراضٍ عراقية أخرى، لكن لن يكون صعباً عليه أن ينفّذ عمليات ارهابية سواء كانت روتينية أو نوعية ضد أهداف صلبة. أما في بقية بلدان العالم، فستسمع أصداء اعماله في الكثير من اطراف العالم سواء على نحو الذئاب المنفردة أو العمليات الإرهابية المنظمة، وسيحالفه الحظ في المستقبل القريب في الاستقرار في أرض يتوفر فيها الحاضن الاجتماعي والفوضى الأمنية.
حسين جاسم الخزاعي
كاتب عراقي
0 تعليق على موضوع : خيارات مقاتلي داعش ما بعد البو كمال
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات