ما جرى في جامع الروضة هو أبشع مذبحة وجريمة ترتكبها قوى الإرهاب التكفيري الأصولي في سيناء المصرية. جريمة وحشية تطرح إستراتيجية الحرب على الإرهاب المعتمدة من الحكومة المصرية على بساط البحث. وكذلك يطرح جدوى الخطاب السياسي والإعلامي المصري الذي كان منفصلاً عن المجريات والأحداث على أرض الواقع. ومن المنطقي أن تعيد مذبحة الروضة النظر في المواجهة مع الإرهاب.
الإرهاب في مصر يملك حاضنة مكونة من الفئات التي تعاني من التهميش والإفقار، حتى وهي متضررة من الإرهاب ولا تدعمه، وحتى وهي تعلن مواقفها ضده. حاضنة سيناء لا تختلف عن الحاضنة في الموصل والرقة ومراكز سيطرة "داعش" في سورية والعراق، حيث التهميش والإهمال والإفقار في سورية، والعوامل ذاتها المضاف إليها قهر وإذلال جزء أساس من الشعب العراقي على خلفية طائفية. المقهورون والمهمشون استخدموا كحاضنات من التنظيمات الإرهابية في غياب قوى سياسية مدافعة عنهم واستخدموا من قوى التدخل الرجعي الخارجي أيضاً. مقابل ذلك فشلت الدولة المصرية في كسب ثقة الطبقات الشعبية التي لها مصلحة في هزيمة الإرهاب وقواه الداخلية والخارجية، لعزل المنظمات الإرهابية التي تجلب الموت والدمار. فالقمع الذي تتعرض له النخب الوطنية والثقافية والفنية والقضاء على الحريات العامة والقضاء حتى على هامش الحريات الذي انتزعته النخب الديمقراطية من نظام حسني مبارك، وحظر كل موقف نقدي من النظام والحكومة، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب. وعاد الإعلام إلى الوراء بما في ذلك إعلام القطاع الخاص الذي فقد تميزه بسرعة قياسية. تتراجع الحريات وتكاد تتلاشى، في الوقت الذي تزداد فيه الضائقة الاقتصادية وتهبط فئات متزايدة من الشعب إلى تحت خط الفقر ليزداد الوضع سوءاً بعد سوء. غياب الحريات يعطي التنظيمات الإرهابية زخماً لأنه يعطل القوى القادرة على عزل ونبذ الإرهاب والإرهابيين. وفي هذا السياق كان من السهل على التنظيم الإرهابي إحباط محاولات الدولة المصرية بناء قاعدة شعبية حليفة في سينا، ليس بسبب قوة التنظيم وإنما بسبب ضعف الحوافز التي تجعل من عزل التنظيم مصلحة حقيقية ملحة للأكثرية. فعندما يوضع المواطنون بين خيار قمع النظام وعجزه عن حل الأزمات وبين إرهاب المنظمات الأصولية، فإنه يختار الابتعاد عن الطرفين، والابتعاد في حد ذاته يخدم الإرهاب من حيث لا يرغب السواد الأعظم من الناس.
المذبحة الجديدة والجرائم المتلاحقة التي التي ترتكب من قبل التنظيمات الإرهابية لها صلة وطيدة بمنظومة التكفير والتحريم والفتاوي الدينية المعتمدة ليس من قبل "داعش" وحده بل يشاركه في الاعتماد مؤسسات دينية وخطاب ديني، وخطاب سياسي ديني تبثه تنظيمات الإسلام السياسي ومناهج تعليم ومؤسسات دولة بما في ذلك المؤسسة العسكرية وأرفع المستويات السياسية، وصولاً إلى ثقافة شعبية راسخة، كانت نتاجاً للغزو الوهابي المدعم بالمليارات. الحرب ضد الإرهاب في مصر اعتمدت على بند واحد هو البند الأمني ولم تقترب من الفكر الإرهابي الذي ينتج ويعيد إنتاج إرهابيين وإرهاب، وطالما لم تفكك منظومة التكفير والتحريم والإفتاء، ستستمر الجرائم بمستويات أقل أو أشد.
لا تزال سيناء قاعدة ينطلق منها الإرهاب، بل ومن أخطر بؤر الإرهاب في المنطقة. والإرهاب المنطلق من سيناء له تأثيرات كبيرة وخطيرة على مصر وعلى القضية الفلسطينية وعلى دول أخرى. عندما تتحول جزيرة سيناء إلى قاعدة للإرهاب، فإن هذا يعيد طرح اتفاق كامب ديفيد على بساط البحث، ذلك الاتفاق الذي حوّل سيناء إلى منطقة منزوعة السلاح وساحة للتهريب وتجارة السلاح والمخدرات وملاذ للقتلة والإرهابيين والمافيات من مختلف الجنسيات. عملياً سيناء المنزوعة السلاح، إلا القليل، تخضع للأمن الإسرائيلي الذي له باع طويل في اختراق عصابات التهريب والمافيات وإقامة علاقات مع زعماء بعض القبائل. وعندما لا تضع المنظمات الإرهابية إسرائيل هدفاً لها وهذا ما تؤكده حالة الهدوء شبه التام على حدود دولة الاحتلال مع سيناء. ذلك الهدوء الذي له ثمن هو غض نظر إسرائيلي عن النشاط الإرهابي داخل سيناء. في واقع الحال إن إسرائيل التي تتبنى عقيدة جذرية ضد الإرهاب تتعايش مع الإرهاب الذي يستهدف جيش وشعب مصر. التعايش الإسرائيلي مع الإرهاب يستدعي تقديم لائحة اتهام تعادل الضلوع غير المباشر بالإرهاب. ولا يغير من هذا الواقع وجود تنسيق أمني إسرائيلي مصري والسماح للجيش المصري باستخدام سلاح جو ومروحيات وعربات وأسلحة متوسطة.
التعايش الإسرائيلي مع الإرهاب والتهريب في سيناء له أكثر من تفسير، أوله احتمال وجود صفقة مباشرة أو غير مباشرة تقضي بعدم تدخل إسرائيلي ضد الإرهابيين في سيناء مقابل عدم قيامهم بأعمال عدائية ضد إسرائيل. وهذا يذكر بصفقات إسرائيلية غير معلنة مع "النصرة" التي لها قواعد بمحاذاة الجولان المحتل ولا تقوم بأعمال ضد قوات الاحتلال، مقابل قبول إسرائيلي بوجودها وبانخراطها في الحرب الأهلية السورية بغية تحسين شروط سيطرتها في الداخل السوري عبر القتل والإرهاب. يلاحظ أن تنظيم القاعدة ومخرجاته الإرهابية التكفيرية كفّت عن استخدام شعار الحرب ضد إسرائيل في تجنيد الإرهابيين وفي بناء قاعدة اجتماعية وتأمين بيئة مواتية لحربها ضد المجتمعات والأنظمة العربية. الاحتمال الآخر، وجود مصلحة إسرائيلية في بقاء منظمات إرهابية تستنزف مصر وتضعفها، ما يساعد على استمرار الهيمنة الإقليمية الإسرائيلية دون منافس، ويجعل مصر متخبطة في أزمة أمنية واقتصادية حادة تدفعها لتطوير العلاقة مع إسرائيل والتعاون معها من موقع التبعية. ما يحدث في سيناء يستدعي إعادة فتح اتفاق كامب ديفيد المبرم بين مصر وإسرائيل لجهة تحريره من القيود التي حولت سيناء إلى مصدر استنزاف سياسي واقتصادي وبشري وأمني، وكأنه جرى استبدال الاحتلال الإسرائيلي باحتلال الإرهابيين وواقع الحال هو أن إسرائيل أبقت على جوهر الاحتلال.
وما يحدث في الحرب الفاشلة ضد الإرهاب، يستدعي وضع نهاية لقمع الحريات من أجل إشراك الشعب المصري في معركة الدفاع عن الوطن المصري وتحريره من الفكر الذي ينتج الإرهاب والإرهابيين.
Mohanned_t@yahoo.com
0 تعليق على موضوع : هل يعاد فتح اتفاق كامب ديفيد؟ بقلم : مهند عبد الحميد
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات