حوارمع مثقفين عرب حول الديمقراطية

عندما تتحاور مع اصدقاء اعزاء ذوي جذور وانتماءات ثقافية يسارية .. وحتى مع الوطنيين من مثقفي البراغماتية الليبرالية .. تجدهم يطرحوا عليك السؤال التالي بصيغ مختلفة طبعا " هل تقبل انظمتنا القمعية بالديمقراطية ؟ والقبول بما يقوله صندوق الاقتراع، وترضى بان يكون الحكم للشعب" .

ودافع هذا السؤال وخلفياته هو القاء المسؤولية على السلطة الحاكمة وتبرئة المجتمع بكل مكوناته بمن فيها المكونات اليسارية والوطنية من المسؤولية .

لكن لو سألنا انفسنا ... " هل تقبل مجتمعاتنا بالديمقراطية ..؟ هل ثقافة مجتمعاتنا ديمقراطية، تقبل المنافسة النزيهة والقبول بما يقوله صندوق الاقتراع دون اعتراض ..؟

أم أنها غارقة بثقافة عصبوية متأصلة في كل مناحي الحياة .. سياسية كانت او اقتصادية او اجتماعية او رياضية او تعليمية ..؟

وهنا قد تجد ردا من احد الثوريين جدا يقول لك " ان اسئلتك ينطبق عليها مقولة "كلمة حق يراد بها باطل"، فانت تبرر السياسات القمعية التي تنتهجها الأنظمة الشمولية .

وهذا الثوري جدا والمثقف جدا وامثاله يوافقوك على غياب الثقافة الديمقراطية لدى الفرد العربي .. ولكنهم يربطوا هذا الغياب بغيابها عند الحاكم اي ان الحاكم هو المسؤول عن غياب الثقافة الديمقراطية عند المواطن العربي.

وهذه الفئة رغم انها تعد من فئة المثقفين الا انها في واقع الحال لاتختلف عن باقي المواطنين .. ومن احد مشاكلها السياسية الكبرى انها تعتقد ان الديمقراطية هي صندوق انتخابات ..

 
ولا يدرك هؤلاء أن دكتاتوريات عديدة في التاريخ الحديث قد جاءت بها انتخابات ديمقراطية حرة، كذلك هناك بلدان قد أشاعت حكوماتها مناخا ديمقراطيا تشاوريا دون أن يكون لها باع في تنظيم انتخابات وفق النموذج الغربي السائد.

ويغيب عن بالهم ان الديمقراطية تعني مبدأ "الشعب مصدر السلطة" ولتحقيق هذا المبدأ فانه يتطلب انتخابات تنافسية نزيهة، تهدف إلى تنظيم عمل مؤسسات الحكم استنادا للقانون، واعتماد مبدأ التداول السلمي، وتنظيم علاقة الحكم بالمواطنين على أساس المواطنة وحدها مع استبعاد كل تمييز تفاضلي آخر يقوم على أساس الأصل أو اللغة أو العرق أو الدين أو المذهب أو المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية.

وإرساء هذه المبادئ في الديمقراطيات المعاصرة يكون وفق مواثيق ودساتير مكتوبة، يتم إقرارها والالتزام بها من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتجرى الانتخابات لتحقيق مقاصد محددة وبصورة فعالة، فالا نتخابات ليست هدفا بحد ذاتها، وإنما هي آلية لتحقيق مبدأ " الشعب مصدر السلطة" .

وتتسم الانتخابات بمجموعة من المعايير لضمان نزاهتها، مثل سرية الاقتراع وحريته لجميع الناخبين وحق المتنافسين في الإشراف على سير الانتخابات من خلال مندوبيهم وحماية الدوائر الانتخابية من أي تدخل من أي جهة بغرض التأثير على الناخبين لصالح مرشح معيّن، وأمن الدوائر الانتخابية ضد أي عمليات عنف قد تستهدف تخريب الانتخابات أو تعطيلها.

كما ان نزاهة الانتخابات تتطلب تعيين لجنة مستقلة مشرفة والتحلي بشفافية عملية فرز الأصوات وإظهار النتائج وإعلانها، وإعطاء مهلة مناسبة لتلقي الشكاوى والطعون.

وللعلم فان مجرد إجراء انتخابات لا يعني أن نظام الحكم فيه قد خرج من مصاف الدول التسلطية أو الشمولية وأصبح ديمقراطيا، فالانتخابات الديمقراطية الحقيقية، لا بد أن تستند إلى دستور ديمقراطي يضع المبادئ الرئيسية للديمقراطية موضع التطبيق ثم أن الديمقراطية هي سلوك وثقافة وذهنية تبدأ من التربية الأسرية وكيفية احترام الرأي المخالف والطرف المنافس مع ضرورة القبول بالنتائج ايا كانت نصرا او هزيمة .

و يجب الا نتباه ان العديد من الدول طورت انظمتها أساليب متنوعة للتلاعب في الانتخابات لتحقيق اهدافها بديمومة نظمها ، وغالبا ما تكون نتائج الا نتخابات في النظم ذات الحكم الاستبدادي (شمولي ، ثيوقر اطي ) معروفة مسبقا ، وذلك نتيجةً للآليات التي يطورها الحكام للتأثير على أصوات الناخبين بالترهيب والعنف وشراء الأصوات والتلاعب في النتائج. في مجتمعات ما زالت تعاني من توغل الأمية والتخلف، وتتمسك بتقاليد قبلية. وبتراث بال .. وقيم وتقاليد ريفية متخلفة.