تستمر احتفالات وكرنفالات الجنون الغرائزي الذي بات من طبع ديكتاتوريات الاستبداد السياسي، كما ديكتاتوريات الاستبداد الديني، حتى وهما يطلقان النار على ذواتهما، لا على الآخر في احتفاءات الكراهة، بل على كل من لا يردد تلك اللغة الببغاوية من أهل البيت السياسي/الطائفي أو الديني/المجتمعي. فقد حصدت العداوة كل مختلف، لا بل كل من لا يريد المشابهة أو التماهي مع تلك السلطات الغرائزية، وهي تبخ سمومها في كل الاتجاهات، صعوداً وهبوطاً، هنا وهناك وهنالك من أطراف العالم المختلفة؛ حتى باتت الديموقراطية والتعبير عن الرأي والرأي الآخر موديلاً قديماً، لم يعد يجد من يحتذيه، مثلما أصبح «الميني جوب» موضة قديمة نادراً ما تراها ليس في شوارع المدن العربية، بل ولا في المدن الغربية كذلك.
وعلى رغم الخرابات «الداعشية» ذات النزعات الغرائزية المتوحشة، لم تجد الخطط الحكومية التقليدية، أو حتى الحديثة، من مناص سوى تكرار واجترار ما لم تفلح جميعها في إيجاد الحلول لمشكلات وأزمات مجتمعاتنا المحكومة لسلطات ليست أقل غرائزية لجهة تقليديتها، ومحاولاتها الدائبة للهروب والاغتراب عن واقعها، ليعز عليها فقدانها «مرابط خيل» حكمها السلطوي، وكرهها الجذري المعلن لأي تغيير في أي مجال من مجالات تحكمها الشمولي، بسلطات يفترض أن تخضع وفق الدساتير والقوانين الديموقراطية إلى منطق أقرب إلى التناوب الديموقراطي، في ظل نظام تداولي، لكنه للأسف تحول إلى نظام استبدادي، يتمتع بحماية إقليمية وربما دولية، طالما أن تبعيته تخدم وظيفة استثمارية لعدد من أصحاب النفوذ، ممن يسعون لاستعادة نفوذهم، في فضاءات التزاحم والصراع على مناطق تفتقد عناصر ومقومات الاستقرار، ما جعلها في مهب رياح التغيير والثورات المجهضة.
ولهذا ستبقى أوضاع العالم تتعرض للهزات والزلازل السياسية، كما العنفية التي لا تخلو من تطرف وإرهاب، والأهم للتغيرات المفاجئة التي قد تأتي عبر صناديق الاقتراع، أو عبر الهبات والانتفاضات ومحاولات الثورة والانقلابات والفوضى، واستعمال أقسى الأساليب عنفاً ودموية؛ في ظل أيديولوجيات عنفية، حتى لم يعد هناك الكثير من الاختلافات التي تحكم العمل السياسي لا شرقاً ولا غرباً. ففي الوقت الذي كانت «الداعشية» أحد الخيارات «الأممية» لاتجاهات التطرف الديني، عملت هذه الظاهرة على إطلاق رد فعل يميني شعبوي في الولايات المتحدة وأوروبا، (بانتخابات أو من دونها)، فبرز العنف اللفظي، كما العنف الرمزي، كما العنف الفعلي ضد موجات الهجرة والنزوح، التي أعقبت انفجار تلك الحروب المدمرة، وما آلت إليه مآسي القتل الجماعي في بلدان الحروب الأهلية، وجرائم الاستبداد السلطوي و «الداعشي» على حد سواء. ما عنى ويعني أن روح الثورة وقد وقفت في وجهها وأجهضتها قوى الماضي والثورات المضادة، ما برحت ضرورة تاريخية واجبة، كدافع أساس وحامل رئيس من روافع التغيير الواجب الوجود، وهي مهمة تقع على عاتق الشعوب وقواها السياسية والشبابية المناضلة، لا على عاتق سياسيي الأنظمة المتسلطة واحتياطييها من قوى «دولة عميقة» ترى في ثبات و «استقرار» السلطة، مؤشر استمرارها، ككابح رئيس أمام التغيير المنشود.
* كاتب فلسطيني
الثلاثاء، ١٥ أغسطس/ آب ٢٠١٧ (٠١:٠ - بتوقيت غرينتش)
0 تعليق على موضوع : ثابت التغيير ومتغيرات القوى - بقلم / ماجد الشيخ
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات