تسعة أشهر احتاجتها باريس لتقتنع بفشل مبادرة رئيسها، وبأننا لسنا في زمن المعجزات حتى تستطيع إحياء العظام وهي رميم، تسعة أشهر احتاجت باريس، أو إحتاج الإليزيه ليفهم أن إكرام الميت دفنه. وبأن انفجار المرفأ الذي حولنا إلى حطام، هدم أيضا ما تبقى من جدران البيوتات السياسية والحزبية اللبنانية، وأصبحت آيلة إلى السقوط بعدما رفع جزءا من الشعب عنها شرعيته، و بعد أن اقتنع بعض الخارج بضرورة سحب الغطاء عنها.
ليست باريس وحدها من أهدر وقت اللبنانيين، فقد ساهمت عواصم غربية بإضاعة وقت ثمين وهي منشغلة بسمعة أوروبا التي انكسرت مبادرتها على صخور المنظومة الحاكمة، وكذلك عواصم عربية ساهمت في تدوير الزوايا تحت ذريعة الاستقرار، لكن المشروع الفرنسي الذي احتشد الغرب خلفه وصل إلى نقطة النهاية، فالتأليف تبخر، أما الاستقرار فإنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، وإمكانية التفاهم على حكومة خارج المحاصصة غير ممكنة مع هذه الطبقة السياسية، فإن مجهولا بات معلوما يسمونه الفوضى يطرق أبواب الجميع.
يوم الخميس الفائت عثر رئيس الوزراء المكلف على ضالته، قدم اعتذاره ومضى، كانت كلمة واحدة تكفي ليقولها لترحل معه التسوية الرئاسية وتنتهي المساومة، اعتذاره فتح شهية نزيل بعبدا على الانتصارات، فجنرال الأعراس بعد تقاعده يحتاج إلى وسام جديد ليعلقه على صدر عهده، ليؤكد لاتباعه أنه لم يزل قادرا على تحقيق الانتصارات، لكن نشوة الانتصار لم تعطل انشغالاته بمتابعة نشاطه الإنساني في أكاديميته للتلاقي والحوار التي ستدرس انجازاته.
بين هذا وذاك، كان الحزب الحاكم الذي إمتهن صنع المعجزات عاجزا عن لملمة شظايا زواج فرضه بالإكراه بين قاصر وكهل، فقد بدت المنظومة الحاكمة في لحظة فك ارتباط داخلي وانقطاع خارجي، ترمي بثقله عليه، وحولته اي الحزب الحاكم إلى هرم مقلوب يقف على رأسه ويحمل أثقال القاعدة التي تصدعت وأصبح زواياها وقطعها الثقيلة آيلة للسقوط عند أول اهتزاز أو ضربة تتعرض لها إما من أهل ضحايا المرفأ أو من الشارع أو بفعل خارجي.
من الواضح أن أركان السلطة غير مستعدين إلى التراجع خطوة إلى الوراء، وهم يتهيؤون لهجوم مضاد سيربط ما بين الاعتذار وضغوط خارجية استجاب لها الرئيس المكلف، ولن يترددوا بطرح أسماء تكلف تشكيل الحكومة مستنسخة من حكومة حسان دياب، لتكون ورقة جاهزة للمقايضة لحظة الانهيار الكامل، وإذا فشلت فإن صاحب القرار سيرمي ورقته السحرية ويعلن استعداده قبول الاسم الذي يتواقف عليه الخارج لكن دون تغيير في المعادلة الداخلية.
رغم الفاجعة والانهيار الكامل لقيمة العملة، والجوع الذي يهدد أغلب اللبنانيين إلا أن حسابات المنظومة لم تزل محصورة في إنقاذ نفسها واستعادة موقعها، حتى لو أضطر صاحب قرار الحرب والسلم إلى القيام بمغامرة حدوديه، تمنحه الفرصة لتحييد نفسه عن أزمات المنظومة، ويبرئ ساحته من ارتكاباتها، وهذا ما بدى في تصريح أحد أركانه الذي قال" لنا الفخر أن يقال عنا أننا عارضنا سياسة هؤلاء منذ أن بدأوا تلك السياسات، لأن هذه السياسات انتهت إلى انهيار الدولة الآن وهذا وسام يعلق على صدورنا إن كان هناك من يفهم وأن يعتبر".
يريد الحزب الحاكم أن يفهم اللبنانيين أنه ليس مسؤولا عن الانهيار، وبأنه عارض سياسة "هؤلا" ولكنه نسي أو تناسى أنه المسؤول المباشر عن بقائهم إلى الآن في مناصبهم، وهو نفسه يعترف لبعض من هؤلاء بفضلهم وبشراكتهم في مشروعه، وللبعض الآخر بالوفاء، ولكن على ما يبدو بعد شح انتصاراته في الآونة الأخيرة بات هو أيضا يبحث عن وسام جديد يعلقه على صدره.
ولكن ما لا تريد أن تعترف به هذه المنظومة مجتمعة أن من يستحق الوسام هم من خرجوا في 17 تشرين إلى الساحات وأطلقوا صافرة النهاية.
0 تعليق على موضوع : لبنان... حمل باريس ولد الانهيار
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات