ما كان على الرئيس محمود عباس (أبو مازن) أن يستجيب لمطالبة حركة «حماس» له بلسان يحيى السنوار بالاستقالة، فهو أحد كبار القادة التاريخيين الذين كانوا قد أسسوا حركة «فتح» وبدأوا الثورة الفلسطينية المعاصرة في عام 1965 والذين كانوا قد تلاحقوا على طريق الشهادة وآخرهم ياسر عرفات (أبو عمار) وقبله خليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف (أبو إياد) وهايل عبد الحميد وقبل هؤلاء جميعاً كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار ومن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين غسان كنفاني.
إن تقلُّد (أبو مازن) لهذا الموقع، بعد استشهاد (أبو عمار)، لم يكن لا مكرمة ولا منحة من هؤلاء الذين دأبوا على مطالبته بالتنحّي والمغادرة كي يأخذ أحدهم مكانه بعد معارك سياسية وربما أيضاً عسكرية دامية، فهو كان أحد مجموعة الطلائعيين الأوائل، وهو أحد أصحاب القرارات الحاسمة التي كانت اتخذتها المقاومة الفلسطينية إنْ في البدايات المبكرة وإنْ في المرحلة اللبنانية وأيضاً بعد العودة إلى قطاع غزة والضفة الغربية.
وهنا فإنه غير مستغرب أن تطالب حركة «حماس»، بعد معركتها الصاروخية مع «العدو الصهيوني» التي كانت نتائجها كل هذا الدمار الذي حلّ بقطاع غزة ونحو مائتي شهيد مقابل أحد عشر قتيلاً من الإسرائيليين، بتنحّي الرئيس محمود عباس (أبو مازن) وبحلِّ السلطة الفلسطينية وعلى أساس أنها باتت هي: «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني»، وحقيقة أن وراء هذا كله التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» وإيران ومع هؤلاء جميعاً بعض الدول العربية.
والمؤكد أن ما شجّع حركة «حماس» ومن يقفون خلفها على مطالبة الرئيس الفلسطيني بالتنحّي وحلِّ السلطة الوطنية وإلغاء منظمة التحرير هو أن وراء هذا المطلب المدمر حقاًّ بعض كبار أعضاء «فتح» الذين بعد رحيل (أبو عمار) أصبحوا يتسمون بجرأة معلنة وعلى رؤوس الأشهاد بالمطالبة بهذا الذي باتوا يطالبون به ما جعل حركة المقاومة الإسلامية ترفع هذا الشعار الذي رفعته وعلى أساس أنه لا يجوز أن يبقى القديم على قدمه وأنها باتت بعد إطلاق صواريخ غزة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وإنّ ما جعل هذه الحركة «الإخوانية» أي «حماس» تذهب بعيداً في تطلعاتها هذه أنّ الرئيس الفلسطيني قد أبدى استعداداً غير جدي بالتنحي وكأن مطالبته بهذا الأمر حقيقية وفعلية، وذلك ما جعل الذين كانوا وما زالوا ينتظرون هذه اللحظة التاريخية «يسنُّون أسنانهم» وجعلهم أكثر جرأة بالمطالبة بما يطالبون به، وهذا مع أنه كان عليهم أنْ يأخذوا في اعتبارهم أن تنحّي (أبو مازن) وفرط السلطة الوطنية لن يكون لا في مصلحتهم ولا في مصلحة القضية الفلسطينية على الإطلاق ما دامت هناك حركة المقاومة الإسلامية ومن يقفون وراءها إنْ كانوا عرباً أو غير عرب!!
وهكذا فإنه على الذين يعتقدون أن «حماس» فعلاً ضد كل أشكال الحلول السلمية أنْ يدركوا أن هذه الشعارات التي لا تزال ترفعها هذه الحركة هي لتسويق نفسها فقط وأنه ما دام أنها حركة «إخوانية» فإنها في حقيقة الأمر مستعدة للبيع والشراء وأنها جاهزة لأن تذهب هرولة إلى أي حل مع «العدو الصهيوني» إذا كان الثمن دولة فلسطينية لها ولـ«إخوانها» على حدود عام 1967 وربما أقل من هذا بكثير.
وعليه فإنه على هؤلاء الذين ما زالوا يدّعون أنهم في «فتح» أن يأخذوا في اعتبارهم أن هذه الحركة قد لفظت كثيرين كانوا قد تخلّوا عنها فتخلّت عنهم وهنا فإن المؤكد أنهم ما زالوا «يتذكرون» تلك النهاية المأساوية التي انتهى إليها صبري البنا (أبو نضال) وانتهى إليها أيضاً كل من نمر صالح (أبو صالح) وأبو خالد العملة وسعيد مراغة (أبو موسى) الذي كان قد وقع في ذلك «الفخ التآمري» وكانت نهايته بالفعل مأساوية.
إنه على هؤلاء أن يأخذوا في اعتبارهم أن بعض قادة حركة «فتح» التاريخيين ومن بينهم فاروق القدومي (أبو اللطف) الذي بقي يشرف على العلاقات والسياسات الفلسطينية الدولية ولسنوات طويلة قد اختاروا ما يسمى «استراحة المحارب» وتركوا لزميلهم محمود عباس قيادة هذه المسيرة الصعبة العسيرة وهنا فإنه ما كان على (أبو مازن) أن يبدي استعداده للتنحّي استجابة لما كانت ولا تزال تطالب به حركة «حماس» ولما ولا يزال يطالب به بعض متقاعدي حركة «فتح» وإنْ همساً وبدون لا ضجيج ولا بيانات استعراضية.
وإنّ ما لا يدركه هؤلاء الآنفي الذكر هو أن مواقف الدول العربية الفاعلة والمؤثرة، التي كانت لديها بعض الاعتراضات على الرئيس الفلسطيني، قد باتت مع أنْ يبقى (أبو مازن) في موقعه وأن تبقى حركة «فتح» متماسكة وألا تُترك الأمور لا لحركة «حماس» ولا للتنظيم العالمي لـ«الإخوان» وأيضاً ولا لإيران.
ثم يبدو أن هناك الآن توافقاً دولياً لوضع حدٍّ لصراع الشرق الأوسط، الفلسطيني – الإسرائيلي، وعلى أساس قيام الدولة الفلسطينية المنشودة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وهذا يعني أنه لا بد من بقاء محمود عباس (أبو مازن) في موقعه القيادي رئيساً لدولة فلسطين المنشودة وأنه يجب عدم ترك الأمور لا لحركة «حماس» الإخوانية ولا لهؤلاء الذين بادروا إلى القفز من القاطرة الفلسطينية ظناً منهم أنهم سيكونون بديلاً لكل ما هو قائم فلسطينياً وهذا بالطبع لا هو صحيح ولا ممكن وأنه مجرد «أحلام يقظة» في ليلة حالكة السواد.
ولذلك فإنه يجب التمسك بأن يبقى محمود عباس (أبو مازن) في موقعه الرئاسي إلى أن يصبح هناك رئيس منتخب أمّا أنْ تترك الأمور لحركة «حماس» وللتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» ولإيران فإن هذه هي كارثة الكوارث وإن هذا سيكون نهاية مأساوية لقضية فلسطين التي هي قضية مقدسة بالفعل.
وكذلك فإن المعروف هنا أنه لا شك في أن الأمور شديدة التعقيد ليس بالنسبة للقضية الفلسطينية فقط وإنما بالنسبة للوضع العربي كله وبالنسبة أيضاً لهذه المنطقة الشرق أوسطية بأسرها، وهذا يعني أنه على الأشقاء الفلسطينيين أن يبادروا إلى سد ما بينهم من ثغرات وأن يقدموا الأهم على المهم وأن يتعاملوا مع بعضهم بعضاً على أساس أن هذه القضية المقدسة فوق كل الأمزجة الشخصية وكل القضايا الخاصة، وأن هذه المرحلة الخطيرة فعلاً تتطلب، فلسطينياً وعربياًّ، وأنْ يكون هناك تسامح وأن تكون هناك حلول وسطية، وحقيقة فإن هذا ما كانت لجأت إليه شعوبٌ وأمم كانت قضاياها أكثر تعقيداً من قضايانا العربية كلها وخصوصاً الفلسطينية.
ولذلك وفي النهاية فإنه إنْ لم تكن هناك إمكانية في هذه اللحظة التاريخية الخطيرة للملمة الأوضاع العربية ولو في الحدود الدنيا فإنه على الأشقاء الفلسطينيين تحديداً أن يأخذوا في عين الاعتبار أن قضيتهم تتطلب أن يكون هناك تعالٍ على كل هذه الخلافات وتعالٍ على الأمزجة الشخصية مع العلم أن «حماس» هذه التي لا يزال هدفها إزاحة عباس لم يعد مجالها الحيوي يقتصر على قطاع غزة وإنما أيضاً على الضفة الغربية ولذلك فإنه إن لم تتدارك حركة «فتح» أمورها وتلتف بكل اتجاهاتها حول (أبو مازن) فإن القادم القريب سيكون في غاية الخطورة وإن الشعب الفلسطيني سيخسر هذه اللحظة التاريخية التي هي حاسمة بالفعل وفي غاية الأهمية!!
0 تعليق على موضوع : «حماس» لا تزال تحاول إزاحة عباس!
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات