شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

الأكاديميون الأردنيون والإصلاح - د.باسم الطويسي



لعل مناسبة وصول أول أكاديمي أردني إلى موقع رئاسة الحكومة، في أجواء وسمت هذه الحكومة بخطاب الإصلاح، تدفع نحو فتح ملف الأكاديميين الأردنيين ودورهم في حركة التنمية والتحديث والإصلاح، ودورهم في بناء الدولة والمجتمع، وتوجيه حركة التاريخ، وبالتحديد في هذه المرحلة، التي تشهد عودة سؤال التغيير والبحث عن إجابات له.

إن الاكاديميين الأردنيين طاقة كبرى، مرشحة للتعاظم في حجمها الكمي بشكل كبير، لكنها طاقة معطلة نسبياً، موجهة نحو هدف وحيد، وليس كل الأهداف الوطنية المطلوبة. ولعل البحث العلمي، وزيادة الإنتاجية العلمية، والانتباه إلى نوعيتها، وإعادة صياغة أهدافها بشكل جديد يخدم أهداف النهضة الوطنية، هي الأولوية الأولى، التي ربما تتجاوز أهميتها في هذا الوقت مهمة التعليم والتدريب.

يوجد في الجامعات الأردنية اليوم ستة آلاف أكاديمي، إذ شهد هذا المجتمع نمواً واسعاً خلال السنوات العشر الماضية، تمثل في تضاعف عدد الأكاديميين، وهو مرشح للتضاعف خلال السنوات الخمس القادمة. ومن ضمن هؤلاء، يوجد حوالي ألف أكاديمي يحملون رتبة الأستاذية؛ بمعنى آخر، يجب توقع أن المجتمع الأكاديمي الأردني قد أنتج حوالي عشرة آلاف بحث علمي خلال آخر خمس سنوات، في مختلف حقول المعرفة. وعلى الرغم من كون هذا الرقم مازال متواضعاً، بالمقارنة مع المجتمعات العلمية الأخرى، إلا أننا لم نلمس تأثيرات واضحة ملموسة لهذا المجتمع العلمي في عمليات التحديث والإصلاح.

لقد قاد السلوك الأكاديمي، وطبيعة الإجراءات المؤسسية في المؤسسات الأكاديمية الأردنية، إلى تشكل صورة نمطية حول غايات البحث العلمي، والتي حصرت في أغراض الترقية، ولم يتطور الأمر بعد إلى تحول أهداف البحث العلمي، في التكوين السيكولوجي والذهني لدى الأكاديميين، إلى مدخل أساسي نحو تحقيق الذات على المستوى المجتمعي بشكل عام. وقد ساهمت المؤسسات الأكاديمية في تعميق هذا التصور؛ فأنظمة أعضاء هيئة التدريس تركز على الكم والمدة الزمنية، ولا تمنح النوعية والتميز أية قيمة. لذا، لم نلاحظ حضوراً للاكاديميا الوطنية في ميادين التنمية والتطبيقات العلمية، وفي مجالات التغيير والتحديث. ولم نلاحظ وجود بحوث ذات جودة تنافسية عالمية، على المستوى الإقليمي العربي. فالبحث العلمي في الجامعات الأردنية ينحصر في غاية واحدة، هي الترقية ونشر المعرفة، والإنتاج العلمي ينحصر في المجلات العلمية التي تصدرها تلك الجامعات، والتي عادة ما تصفها بـ"المحكمة"، لكنها لا تشكل أي حضور يذكر في المشهد العلمي والثقافي الوطني.

لقد ساهم الأكاديميون في الضعف النسبي الذي تعاني منه مؤسساتهم في مجالات البحث العلمي والتطوير والتطبيقات العلمية، ونلمس مظاهر هذا الإسهام في تدني نسبة الإنفاق على البحث العلمي من إجمالي النفقات العامة للجامعة، بينما لا تعد مجالس البحث العلمي أكثر من مجالس شكلية، لم تخرج ببرامج نوعية ذات صبغة مجتمعية إستراتيجية، تترك الآثار الواضحة على مسار التنمية والتحديث الوطني، طوال العقود الثلاثة الماضية، وهو الأمر الذي يتكرر في مجال الدراسات العليا. إذ لم تخرج أية جامعة أردنية برؤية واضحة المعالم لربط الدراسات العليا في أقسامها بالحاجات التنموية في مختلف المجالات، اللهم في الإعلان عن ذلك وحسب.

وعلى الرغم من المبادرات المؤسسية لربط المؤسسات الأكاديمية الأردنية بحركة التغير، السريعة والواسعة، في مصادر المعلومات ونشرها، بهدف تغيير البنية المعرفية التقليدية، إلا أننا ما نزال نلاحظ بعض مظاهر القطيعة بين الأكاديمي الأردني ووسائل تكنولوجيا المعلومات وأدواتها، وبالتحديد الأكاديميين في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية. إذ تشير إحدى الدراسات الحديثة إلى ان نسبة الإنفاق على مصادر المعلومات الالكترونية لكل عضو هيئة تدريس لا تتجاوز أربعة دنانير، بينما لا تتجاوز نسبة الربط والتعامل مع شبكة الانترنت (35%) من أعضاء هيئة التدريس.

ثمة سؤال محوري آخر، يتعلق بنتائج اضطراب حالة البحث عن تحقيق الذات للاكاديميا الأردنية، وارتباطها الراهن بمشروع الانخراط في العمل الإداري والسياسي؛ أي حول مدى إسهام هذا الارتباط في التنمية السياسية والإدارية؟ وعلى الرغم من كون الإجابة محسومة في التحليل النهائي، بالعودة إلى حجم الخسارة الوطنية بفقدان أي باحث أكاديمي وهجرته حقل تخصصه وانخراطه في العمل الإداري أو السياسي، إلا أن إسهام الأكاديميين، الذين هجروا الحقل الأكاديمي نحو السياسة والإدارة، كان وما زال متواضعاً في التنمية الإدارية. فهناك خيبات متوالية لحقت بأكاديميين التحقوا بميادين العمل العام، علاوة على أن هؤلاء الأكاديميين، الذين يعد بعضهم من ذوي الكفاءات العلمية، قد توقفوا عن الإنتاج العلمي بمجرد دخولهم في ميدان العمل العام، وبعد تفرغهم ايضاً، باستثناء قلة محدودة، حافظت على استمرارية العطاء العلمي.

إننا أمام المشهد المربك لواقع مجتمع الأكاديميين في الأردن، وما يحمله من أزمات في تحقيق الذات، التي تبدو محاولة لتجاوز الذات والبحث عن ادوار جديدة. وهذا الواقع يشير إلى الإهمال الذي يحياه هذا المجتمع، وعدم تعمق الوعي بالذات لدى أفراده ودورهم في التغيير والتحديث وبناء الدولة والمجتمع، مما يشير مباشرة إلى فشل الجامعات في إيجاد الوضعية الاجتماعية الملائمة، التي تضفي على الأكاديمي الأردني مكانته الحقيقية، مادياً ومعنوياً، وفق معايير الجدارة والإبداع والتميز، كما إلى فشل وسائل الإعلام الأردنية في ترسيخ قيم النجاح والهيبة والمكانة على صانعي المعرفة ومنتجيها، في الوقت الذي ستبقى أسئلة الإصلاح الكبرى تنتظر أهم إجاباتها من هذا المجتمع قبل غيره.

كاتب الموضوع

شبكة الدانة الاعلامية

0 تعليق على موضوع : الأكاديميون الأردنيون والإصلاح - د.باسم الطويسي

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    http://3.bp.blogspot.com/-dmgwZM45D-k/WqbslYMBYDI/AAAAAAAAJHU/4luGWh9K9PMt3JBULEYQHjyX_MOrmlbWACK4BGAYYCw/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588%2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF%2B%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3%2B200%2B%25D9%2581%25D9%258A%2B250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017