شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

نقد الغرب في زمن ثورات الربيع وكورونا // بقلم : د. نادية عويدات



من تظاهرات العراقيين المطالبة بالحرية والعدالة ومحاربة الفساد

يرى كثير من المحللين للشؤون الأميركية خصوصا، والغربية بشكل عام، أنها تشهد استقطابا تاريخيا غير مسبوق من داخل الولايات المتحدة، حيث تواجه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقدا لاذعا من قبل النخب السياسية والثقافية.

لنأخذ مثلا كتاب بيتر بيرغن (Peter Bergen) الأخير " ترامب وجنرالاته" (أTrump and His Generals, 2019) والذي يفصل فيه استثنائية هذه الإدارة بل حتى عبثيتها في الكثير من الأمور التي طالت الأمن الوطني نفسه. هذا الكتاب جزء من سيل من الكتب النقدية للإدارة الأميركية الحالية، وأسهمت في إظهار معلومات مسربة من داخل فريق ترامب، والتي تتصف جميعها بنقدها الحاد واللاذع لكل ما تقوم به هذه الإدارة.  

ولنأخذ أيضا مثالا من البرامج الترفيهية اليومية مثل برنامج ستيفن كولبير "ذا لايت شو" (Stephen Collbert, The Late Show) والذي يستهزئ فيه من سياسات الرئيس ليلة بعد أخرى وبلا هوادة.

هذا ودون أن نشير إلى أعضاء وعضوات الكونغرس ومجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي المعارض بمن فيهم نانسي بيلوسي (Nancy Pelosi) رئيسة مجلس النواب الأميركي، والتي قامت الشهر الماضي بتمزيق خطاب الرئيس الأميركي أثناء مراسم إلقائه خطاب حالة الاتحاد... إلخ.

إن الحريات التي يتمتع بها الغرب تبدأ كما هو معلوم منذ الطفولة داخل مؤسسة حرة هي الأسرة

السؤال الذي يفرض نفسه علينا هنا هو: لما لا تؤدي هذه الخلافات المستميتة لعنف في الشارع شبيهة لما تشهده بلداننا؟ لماذا يقلّ أن نجد في معظم بلدان العالم الإسلامي، بسكانه المليار ونصف المليار، مثقفا أو سياسيا معارضا مهما كانت مكانته بإمكانه انتقاد أفعال الرئيس بهذه الحدة والعلنية ويبقى حرا طليقا على قيد الحياة بل ويستمر في نجاحه المهني بكل أمان وبلا خوف ليعاود الانتقاد في اليوم التالي؟

في الواقع، ومن دون أن نبالغ، هل يوجد بلد واحد خارج البلاد الغربية، سواء في آسيا أو أفريقيا، ومن الصين إلى روسيا، يحمي ويضمن حرية الفكر والتعبير عن الرأي وانتقاد كل جانب من جوانب السلطة لهذه الدرجة مهما كانت منقوصة؟ الجواب في المحصلة هو لا. والسؤال الملح هو: لماذا؟

شعوبنا دون شك تصبوا لهذه الحريات، وتحلم بها ليلا نهارا، بل وانتفضت لتحقيقها كما هو معلوم في تونس ومصر وسوريا واليمن والعراق والسودان والجزائر وغيرها من دول المنطقة، لكن ولسوء الحظ سرعان ما انقلبت الاختلافات السياسية إلى حمام دم وانقلابات عسكرية وأزمات عالمية مع نزوح ثلاثة عشر مليونا ما بين هجرة خارجية وهجرة داخلية خلال الحرب في سوريا وحدها إلى جانب ما شهدته العديد من البلدان من القتل والدمار للأوطان.

قبل الربيع العربي، كان العالم العربي يتصدر قائمة الدول الأقل حرية في العالم حسب تقارير "فريدوم هاوس"، مركز البحوث المعني بدراسة سقف الحريات في العالم. ولعل المثير للجدل أن هذه الحريات منذ الربيع العربي تقلصت بنسب أكبر حيث تقوم الكثير من دول المنطقة بإسكات بل وتعذيب وقتل كل من تسول له نفسه قول كلمة حق، كما حدث مع الكاتب السعودي جمال خاشقجي أو في اعتقال أول رئيس منتخب في مصر مهما كان الاختلاف معه.

لكن ما دامت الحرية الفكرية مستمرة في جزء من المعمورة على الأقل فذلك يعني أنه لا زال هنالك أمل للإنسانية يمكنها أن تتقاسمه. فالحرية الفكرية هي جذر الإبداع الفردي والجماعي ومنها جاءت الاختراعات المذهلة في الأفكار والتكنولوجيا والطب وفي جميع المجالات التي يمكن تصورها.

ولعل هذا الادراك قد حفز أحد المشاركين للكتابة ساخرا على مواقع التواصل الاجتماعي: "يا ريت الأوقاف تعمم على المساجد يوقفوا الدعاء على الكفار بالهلاك هاي الفترة وتحاول تدعيلهم بالتوفيق لحد ما يلاقونا علاج للكورونا". ورغم أن هذه الدول والمفاهيم نفسها ما تزال بحاجة لمزيد من التطوير والإصلاح لأن التطور النقدي جزء من طبيعتها الذاتية إلا انه ومما لا شك فيه أن هذا الإصلاح لن يأتي إلا عبر طريق الحرية والسلمية.

شعوبنا دون شك تصبوا لهذه الحريات، وتحلم بها ليلا نهارا، بل وانتفضت لتحقيقها

يوجد خير وشر في كل مكان في العالم. ويوجد رجال ساسة يستغلون مناصبهم لمصالحهم الشخصية في كل مكان أيضا. لكن وجود هذا السقف العالي من النقد والحرية لا يزال الغرب موطنها شبه الحصري في عالمنا اليوم. فما الذي نستطيع القيام به في هذا المجال كأفراد ومجتمعات تحلم بمستقبل أفضل لأوطاننا؟ كيف نزرع اليوم بذور هذه الحريات؟ كيف نبدأ برفع سقف الاختلاف السلمي وحرية التعبير في مجتمعاتنا؟ هل نستطيع أن نكون مختلفين بداية داخل أسرنا، في شركاتنا، في مجتمعاتنا دون الخوف على أروحنا، هذا قبل أن نحلم بمجتمع سياسي حر؟ هل نستطيع أن نكون أسرا يستطيع فيها الضعيف أن يخالف دون الخوف من العقاب؟ فقط حينما نتقبل حرية الاختلاف في وسطنا الصغير على هذه الشاكلة سنستطيع ربما أن ننجزها في أوساطنا السياسية.

إن الحريات التي يتمتع بها الغرب تبدأ كما هو معلوم منذ الطفولة داخل مؤسسة حرة هي الأسرة. الحرية مفهوم متكامل ولكي نعيشها نحن بحاجة لأن نربي أولادنا على قدسية حق الاختلاف وبحاجة أن تشمل مناهجنا الدراسية حق الاختلاف بدون الخوف من العنف. فقط عندما تصبح هذه المبادئ جزء من منظومتنا التعليمية والاجتماعية نستطيع واقعيا أن نحلم أنها قد تصبح يوما ما جزء فعليا من واقعنا السياسي. فما الذي ستفعله اليوم لتساهم في خلق مستقبل أكثر سلما؟

من المهم والضروري نقد الغرب، لكن في نفس الوقت من المهم والضروري دراسة الآليات التي يقوم عليها الغرب وخاصة سياسته الداخلية للاستفادة من كيفية استنبات فكرة الحريات والمحافظة عليها ورعايتها، لأن هذه الحريات هي أولا وآخرا نقطة البداية.

كاتب الموضوع

شبكة الدانة الاعلامية

0 تعليق على موضوع : نقد الغرب في زمن ثورات الربيع وكورونا // بقلم : د. نادية عويدات

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    http://3.bp.blogspot.com/-dmgwZM45D-k/WqbslYMBYDI/AAAAAAAAJHU/4luGWh9K9PMt3JBULEYQHjyX_MOrmlbWACK4BGAYYCw/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588%2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF%2B%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3%2B200%2B%25D9%2581%25D9%258A%2B250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017