الخرافة يمكن أن تتحول إلى كابوس
أعترف أنني حينما قرأت عن هذه «المملكة» لم أحمل الموضوع علي محمل الجد، بل اعتبرته من «الخزعبلات» التى تنتشر فجأة بين الإعلاميين أو الناشطين السياسيين بدافع الغيرة الوطنية أو غيرها من الدوافع النبيلة، لكنهم يضخمون الأمور أحيانًا، ويجعلون «من الحبَّة قبّة» لكننى مع توالى القراءة عن الموضوع.. والأهم من ذلك، مع الرجوع إلى خريطة الحدود الجنوبية لمصر، أدركت أن الأمر يستحق الاهتمام الجدّى.
«مملكة الجبل الأصفر» التى شاع الحديث عنها مؤخرًا هى اسم أطلق على منطقة تقع علي الحدود المشتر الشرقية.
ويبدو الأمر أقرب إلى الخرافة.. ولكن خبراتنا مع أجهزة المخابرات الغربية والإسرائيلية، والمشكلات العويصة التي تواجهها المنطقة، والمؤامرات التى لا تكف أطراف دولية وإقليمية مختلفة حياكتها ضد مصر، كلها أمور تجعل الاهتمام واجبًا.. بل وشديد الوجوب.. علمًا بأن الموضوع قد أثير في وسائل إعلام دولية مثل الـ«بى بى سى» البريطانية و«آر. تى» (روسيا اليوم).
يوم 5 سبتمبر الجارى عقدت سيدة لبنانية الأصل، أمريكية الجنسية اسمها «الدكتورة نادرة ناصيف» مؤتمرا صحفيا في مدينة أوديسا الأوكرانية (تابعته وسائل إعلامية كثيرة) أعلنت فيه عنمملكة الجبل الأصفر» على مثلث حدودى بين مصر والسودان، يحمل حتى الآن اسم «بئر طويل» تبلغ مساحته تأسيس « 2060كم2، وأعلنت نفسها رئيسة لوزراء المملكة المزعومة، التي يحمل علمها رسمًا لنخلة خضراء، وعبارة البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم)!! وقالت إن إعلان سيادة المملكة يتم باسم «صاحب السمو الملكى.. الملك» الذى لم تذكراسمه!! لكن المهم أن المملكة المزعومة ستكون ملجأ لمن فقدوا بيوتهم وأوطانهم بسبب الحروب والصراعات!! وأنها ستبدأ منح الجنسية واستقبال اللاجئين إليها بدءا من نهاية العام القادم (2020).
أعترف أنني حينما قرأت عن هذه «المملكة» لم أحمل الموضوع علي محمل الجد، بل اعتبرته من «الخزعبلات» التى تنتشر فجأة بين الإعلاميين أو الناشطين السياسيين بدافع الغيرة الوطنية أو غيرها من الدوافع النبيلة، لكنهم يضخمون الأمور أحيانًا، ويجعلون «من الحبَّة قبّة» لكننى مع توالى القراءة عن الموضوع.. والأهم من ذلك، مع الرجوع إلى خريطة الحدود الجنوبية لمصر، أدركت أن الأمر يستحق الاهتمام الجدّى.
«مملكة الجبل الأصفر» التى شاع الحديث عنها مؤخرًا هى اسم أطلق على منطقة تقع علي الحدود المشتر الشرقية.
ويبدو الأمر أقرب إلى الخرافة.. ولكن خبراتنا مع أجهزة المخابرات الغربية والإسرائيلية، والمشكلات العويصة التي تواجهها المنطقة، والمؤامرات التى لا تكف أطراف دولية وإقليمية مختلفة حياكتها ضد مصر، كلها أمور تجعل الاهتمام واجبًا.. بل وشديد الوجوب.. علمًا بأن الموضوع قد أثير في وسائل إعلام دولية مثل الـ«بى بى سى» البريطانية و«آر. تى» (روسيا اليوم).
يوم 5 سبتمبر الجارى عقدت سيدة لبنانية الأصل، أمريكية الجنسية اسمها «الدكتورة نادرة ناصيف» مؤتمرا صحفيا في مدينة أوديسا الأوكرانية (تابعته وسائل إعلامية كثيرة) أعلنت فيه عنمملكة الجبل الأصفر» على مثلث حدودى بين مصر والسودان، يحمل حتى الآن اسم «بئر طويل» تبلغ مساحته تأسيس « 2060كم2، وأعلنت نفسها رئيسة لوزراء المملكة المزعومة، التي يحمل علمها رسمًا لنخلة خضراء، وعبارة البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم)!! وقالت إن إعلان سيادة المملكة يتم باسم «صاحب السمو الملكى.. الملك» الذى لم تذكراسمه!! لكن المهم أن المملكة المزعومة ستكون ملجأ لمن فقدوا بيوتهم وأوطانهم بسبب الحروب والصراعات!! وأنها ستبدأ منح الجنسية واستقبال اللاجئين إليها بدءا من نهاية العام القادم (2020).
منطقة «بئر طويل» والمعروفة أيضا باسم «الجبل الأصفر» نظرًا لوجود جبل بهذا اللون فيها هى منطقة تقع على الحدود المصرية ـ السودانية.. من ناحية السودان. ومشكلة هذه المنطقة هى أنها مما يطلق عليه فى القانون الدولى اسم «أرض بلا صاحب» لأنها خارج نطاق الحدود المصرية، التي يرسمها خط عرض 22ْ شمال خط الاستواء بموجب اتفاق عام 1899 بين الحكومتين المصرية
والبريطانية.. حينما كانت بريطانيا تحتل مصر.. وكانت السودان تابعة لمصر.. ولكن البلدان كانا تحت الاحتلال البريطانى.. وبموجب هذه الاتفاقية وخط عرض 22 كخط للحدود، فإن مثلث حلايب وشلاتين تابع للسيادة المصرية.
لكن الحكومة البريطانية كانت قد أجرت تعديلا إداريا (ونؤكد على كونه إداريًا) تسند بموجبه إدارة منطقة (حلايب وشلاتين) إلى الحكم الإدارى للسودان.. الخاضع للسيادة المصرية (حيث كان ملك مصر يطلق عليه رسميًا اسم: ملك مصر والسودان).. بينما جعلت منطقة «جبل طويل» خاضعة إداريًا لمصر؟!
ومعروف أن السودان قد استقل عن مصر عام 1956 وأصبح دولة قائمة بذاتها.. واستمرت مصر فى ممارسة سيادتها على منطقة حلايب بصورة طبيعية ومستقرة،
حتى حدث انقلاب البشير والترابى (الإخوانى) عام 1989، فبدأ البشير فى إثارة سألة السيادة على حلايب وشلاتين، وجعلها سببًا لإثارة القلاقل في العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين.. مطالبًا بتنفيذ إجراءات (1902) ـ (الإدارية) التى وضعها الاستعمار البريطانى، باعتبارها خطًا للحدود.
وبذلك تخرج منطقة «جبل طويل» عن حدود السيادة السودانية.. في الوقت الذى لا تطالب مصر بها، باعتبارها جنوب خط عرض 22 الذى يمثل الحدود السيادية لمصر ممتدًا علي استقامته حتى البحر الأحمر، بما يشمل حلايب وشلاتين.
وبهذا ينشأ وضع تكون فيه منطقة «جبل طويل» خارج الحدود المصرية.. بينما طالب نظام البشير بترسيم للحدود تكون فيه المنطقة تابعة لمصر، وخارج حدود السودان!! وهكذا أصبح هذا المثلث «جبل طويل».. أرضًا بلا صاحب!! فلا مصر تعترف بها ضمن حدودها، ولا السودان تريدها.. لأنها تطالب بترسيم للحدود، لا يتضمنها بل يشمل منطقة حلايب!! وهذا الوضع من الأوضاع النادرة للغاية في القانون الدولى أن تكون هناك «أرض بلا صاحب».
الوضع المذكور أغرى مغامرًا أمريكيًا بإعلان نفسه ملكًا على المنطقة عام 2014!! ومغامرًا هنديًا بإعلان نفسه ملكًا عليها عام 2017!! لكن هذا كله ظل من نطاق الطرائف، والبحث عن الشهرة، وما ذلك.
>> غير أن الوضع يختلف تمامًا هذه المرة.. فالسيدة «نادرة ناصيف» لم تدع بإقامة مملكة وهى قابعة في بيتها فى لبنان أو أمريكا.. بل ذهبت إلى أوكرانيا.. وعقدت مؤتمرًا صحفيًا دعت إليه وسائل الإعلام، وأقامت موقعًا إلكترونيًا على الشبكة العنكبوتية.. والأهم من ذلك أنها دعت اللاجئين إلى الذهاب إلى المنطقة.. ودعت المانحين الدوليين إلي تمويل المشروع!!
>> وإذا نظرنا إلى الخريطة المرفقة فسنجد أن «المملكة» المزعومة تحتل مثلثًا ملاصقًا مباشرة من الجنوب لمثلث حلايب وشلاتين.. وهذا أمر يستحق كل الاهتمام.. كما سنجد أن هذا المثلث قريب من البحر الأحمر.. وهذه مسألة خطيرة.. ففي ظل أوضاع عدم الاستقرار فى السودان، يمكن لأى وجود استيطانى في المنطقة أن يتمدد إلى البحر الأحمر.. وبامتلاكه منفذًا بحريًا يمكن أن ينشأ وضع في غاية الخطورة.. لأن هذا الكيان يمكن أن يجد دعمًا من أى قوة إقليمية أو دولية لا تريد الخير لمصر.
>> ومن الأهمية بمكان عظيم أن نشير إلى أن تركيا مثلا لديها قاعدة عسكرية في ميناء «سواكن» السودانى، على بُعد 100 كم فقط من الحدود المصرية..
>> والأهم والأخطر من ذلك أن إسرائيل تواجه وضعًا سكانيًا فلسطينيًا ضاغطًا للغاية فى غزة، وخاصة بعد أن أعلنت مصر رفضها القاطع لأى حديث عن مبادلة مساحات من سيناء، أو توسيع قطاع غزة، فى إطار ما يعرف بصفقة القرن.. والوضع المتفجر فى غزة يزيد من اشتعاله الضغط السكانى الشديد، وصعوبة الأوضاع المعيشية، الأمر الذى يمكن أن يجعل بعض المغامرين مستعدين لمغادرة غزة هربًا من أوضاعها شديدة القسوة، خاصة إذا توافر لهم عنصر التمويل.
>> وما لا يقل خطورة هو وجود عشرات الآلاف من الإرهابيين الدوليين فى إدلب، الذين لا يمكنهم العودة إلى بلادهم الأصلية.. ولا يمكن تركهم كقنبلة موقوتة فى «إدلب» لأجل غير مسمى.. ويمكن جدًا أن يقبلوا بالانتقال إلى منطقة صحراوية نائبة هربًا بحياتهم ريثما يتدبرون أمورهم!!
>> ويجب القول إن العقول المنحرفة في أروقة أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية والغربية، والتى برهنت مرارًا على اهتمامها بـ«إعادة هندسة» الدول والشعوب، لا تتورع عن التفكير فى أى أفكار شيطانية لإقامة قاعدة إرهابية على حدود مصر على غرار «مخيم الركبان» و«قاعدة التنف» فى منطقة الحدود الصحراوية بين سوريا والأردن والعراق.. وواضح من حديث «نادرة ناصيف» أن هذه القاعدة الإرهابية يمكن أن يتم تقديمها تحت غطاء إنسانى!!
>> كما أن مسألة التمويل يمكن حلها من خلال «المحفظة القطرية» الجاهزة دائمًا لتمويل الإرهاب.. أو من خلال التبرعات الدولية «والمخابراتية» تحت ستار «إنسانى».. وليس من الصعب توليد الطاقة الكهربائية (الشمسية) وحفر بضعة آبار ارتوازية.. أو حتى نقل المياه إلى المنطقة من أماكن قريبة أو بعيدة.. ومهما تكن التكلفة.. علمًا بأن المنطقة كلها غنية بمناجم الذهب الذى يتم استخراجه بكميات لا يستهان بها وبصورة غير قانونية، الأمر الذى يمثل مطمعًا ثمينًا للمغامرين.
>> ونكرر: هذه المنطقة ليست بعيدة عن شاطئ البحر الأحمر.. ويمكن خلق منفذ بحرى لها، فى ظل الأوضاع غير المستقرة في السودان.
>> وربما يبدو الأمر كله كخرافة أو حلم سخيف.. ولكن كم شهد التاريخ من أحلام سخيفة تحولت إلى كوابيس للشعوب.. في مقدمتها مثلا حلم الدولة الصهيونية.
>> ونكرر أيضًا.. إن ذهاب السيدة «نادرة نصيف» إلى دولة بعيدة عن بلدها الأصلى لبنان، وبلدها الجديد أمريكا.. إلى أوكرانيا.. وتنظيم مؤتمر صحفى واسع لها.. وإقامة موقع إلكترونى.. إلخ هى أمور تشير إلى أن جهاز مخابرات واحد على الأقل يقف خلفها.. وربما أجهزة عدة..
>> ومثل هذه الأمور لا ينبغى الاستخفاف بها إطلاقًا..
فماذا نحن فاعلون؟؟
0 تعليق على موضوع : «مملكة الجبل الأصفر».. والأمن القومى المصرى // بقلم : د. محمد فراج
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات