المدينة الفاسدة...!
المدينة الفاسدة...!
بقلم: لطفي العربي السنوسيانقسم المشهد السياسي والاعلامي خلال هذه الأيام الى طابورين... طابور مع تطبيق القانون على ان يكون ذلك في التوقيت المناسب... وطابور ضد القانون ـ أصلا ـ حتى وان كان تطبيقه في التوقيت المناسب... ووراء الطابورين مرتزقة وانتهازيون ولصوص... محامون واعلاميون وخبراء متعددو الخبرة ومهرّبون وتجار شنطة و«كناترية»... وكل يغنّي على «ليلاه» هذا بناقوس الشاهد يدقّ وذاك على مئذنة الاخوان يصيح وبين هذا وذاك طوابير متفاوتة الطول والعرض يتزاحم «الانتهازيون» من حولها دفعا واسنادا «لرئيس» افتراضي «يقاتل» من أجل نفسه حتى يصل الى «قرطاج» على رؤوس الأنعام...
وبين كل هؤلاء بجوارهم أو أبعد بقليل من الجوار «يقاتل» المنسيون من هذا الشعب على قوت يومهم وسط مناخات فاسدة...اضرابات وحقد وكراهية وجرائم وقضايا فساد ورشوة ونهب للأملاك العامة والخاصة ويكاد الناس يتقاتلون في الشوارع من أجل «اللاشيء»... ولا شيء بين أيديهم في الواقع غير هذه «الكراهية» التي سرّبها السياسيون (حكاما ومعارضة) لهذه «الرعية» المغلوبة على أمرها أمام تهافت المتهافتين على حكم بلد متعب ومنهوب ومغدور في كل شيء...اللصوص مكشوفون وقد تحولت لصوصيتهم الى بطولات... ناهبو المال العام المتهربون من الضرائب تحولوا ـ بدورهم ـ الى نماذج مثلى يحتذى بها... سياسيون أو أشباه يتقاتلون من أجل «مجدهم الخاص» وكل شيء ممكن ومباح ومتوقع بما في ذلك تصفية الخصوم في التوقيت القاتل...قضاة ومحامون وأمنيون يستعرضون شرف مهنهم على البلاتوهات ويبيعون في مزاد مفتوح لمن يدفع أكثر.. ضمائر باردة وميّتة هتكت سر القانون والقضاء وحوّلته الى «لعبة بلاستيكية» يمكن تشكيلها على «مقاسات الأسياد».. وفي الاعماق.. تونس الاعماق.. العاصمة وأحوازها يتسوّل الناس ارزاقهم.. لا ماء ولا هواء... وكل الايادي ممدودة في هذه الايام الكبيسة التي ينكّـل فيها التونسيون بالتونسيين بلا شفقة وبلا رحمة... انظروا حال «آبائنا» المتقاعدين وهم يتسولون رواتبهم من عند موظفي مراكز البريد التي اعلنت الاضراب في غير توقيته ودون سابق اعلام واغلقت الابواب في وجه كل من جاء ليصرف حقه المتمثل في راتب شهري مستعجل...التنكيل.. التنكيل... الكل ينكّـل بالكل بما في ذلك أبناؤنا التلاميذ وهم يستعدون لعودتهم المدرسية في ظروف وسخة جدا أعلن فيها المضاربون الترفيع في المواد المدرسية بنسبة ٪30... وماذا بعد...؟ صابة قياسية أهدرتها وزارة الفلاحة وأتلفت كل محاصيلها لعدم قدرتها على تخزين «نعمة الله علينا». وماذا بعد..؟هنا «المدينة الفاسدة» او (الديستوبيا ـ Distopia) التي تتحول فيها الاحلام الى كوابيس وحيث الشرّ مطلقا وحيث العالم مجرّد - تماما - من كل ما هو انساني.. عالم جحيمي افراده ممسوخون أو هم مجرّد كائنات ممسوخة تتقاتل من أجل البقاء.. والبقاء - هنا - للأقوى والأكثر نفوذا داخل مجتمعات مغدورة في كل شيء في قيمها وفي أحلامها وكل ما كانت تعتقد أنه ممكن.. لذلك سُميَّت السنوات ما بعد «الثورة» بسنوات «الاحلام الخطيرة».. تلك الاحلام التي ايقظت رغبات الحالمين بعالم مثالي عادل.. سرعان ما تم الاستيلاء عليه من طرف الجماعات العقائدية والاحزاب الدينية ونهضت ـ بالتوازي ـ معهم كل الانتهازيات السياسية لتأكل «بالتوافق» الثمار بعدما أطردت «الثوار» وقد عادوا الى ديارهم خائبين ـ فانتشر الفقر والحقد والكراهية والجريمة والفساد حيث تم اطلاق ذاك «الوحش» الذي تحدث عنه «قرامشي» الذي عمل ـ بدوره أي الوحش ـ على تغذية الحقد باشعال الفتن والاكاذيب لدفع الناس الى التقاتل... فمرض من مرض وجنّ من جنّ وانتحر من انتحر حيث يشقى الفرد ولا يبلغ السعادة ابدا ما يحقق سلامة الممسكين بالسلطة وما يقوّي من عجرفتهم وقد تحولوا الى ذئاب مسعورة او الى مصاصي دماء..نحن يا سادة في «المدينة الفاسدة» وقد أطلق «الوحوش» معركتهم لأكل البلاد على مسمع وعلى مرمى من أهلها... وقد تحولت نخبتها الى قارعي طبول لكنس الطريق أمام الأسياد أصحاب النعمة عليهم الكلام...قريبا نسمع دويّ السقوط العظيم دويّ السقوط الذي سيدمّر «مدينة المواطنين» ويحوّلها الى «مدينة فاسدة» وممسوخة مكتظة بالرعايا...ولا أحد سينجو ما لم يكن قاتلا أو مرتزقا أو لصّا وإن نجا فلأنّ الآخرين قد ماتوا أو ضاعوا أو انسحبوا...!!
هل أعجبك الموضوع ؟
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif
0 تعليق على موضوع : المدينة الفاسدة...!
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات