بقلم ـ نجاة الحباشي
لعله لم تمر على تونس فترة أكثرها احتياجا لسلطة قضائية عليا، وتحديدا للمحكمة الدستورية على غرار هذه الفترة التي تعيشها وهي على بعد ثلاثة أسابيع من تنظيم الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، حيث اصبحت البلاد تعيش على صفيح ساخن وعلى وقع تعقيدات كثيرة وخروقات مختلفة تتزايد يوما بعد يوم في غياب هيكل قضائي أعلى من كل الهياكل الموجودة ،قادر على اتخاذ القرارات التي من شأنها ايقاف هذه الخروقات والقطع مع حالة الضبابية والتشكيك التي تردت فيها البلاد وتراجع خلالها منسوب الثقة لدى المواطن التونسي في كل شيء في الأحزاب والحكومة وفي المرفق القضائي ايضا.
البلاد تحتاج لهيكل اعلى من الجميع ويرتفع عن الجميع، يتحلى بالحكمة ولديه السلطة الفعلية لاعادة الأمور إلى نصابها بعد ان خرجت عن كل سيطرة ، ولمواصلة إرساء هذا المسار الانتخابي في ظروف مناسبة وفي منأى عن كل توظيف حزبي أوسياسي أو قضائي. السلطة القضائية في تونس تواجه تحديا جديدا هذه الفترة لإثبات نزاهتها وحيادها واستقلاليتها عن السلطة التنفيذية، وعن كل الضغوطات التي يمكن أن تمارس عليها مع احتدام المعركة الانتخابية وتسارع السباق الانتخابي.
وهي مدعوة ايضا الى الصمود واثبات انها الضمانة الاساسية لنزاهة هذا المسار الانتخابي وانها ليست ألعوبة في يد اي كان ويتم توظيفها لحماية مصالح طرف دون آخر . الهجمات الموجهة للسلطة القضائية الان والتي تشكك في نزاهتها واستقلالها وتورطها في الاذعان للسلطة التنفيذية يجعلها مطالبة بالتوضيح في عديد المسائل والحسم فيها حتى يتم اغلاق باب التشكيك والتطاول على القانون في عدة مسائل على غرار قبول ترشحات مشتبه فيهم لديهم ملفات فساد من الحجم الثقيل وصادرة في حقهم تهم وتتبعات عدلية اوتفويض سلطات رئيس الحكومة إلى أحد وزرائه ومدى دستورية ذلك من عدمه ، فضلا عن عملية إيقاف المرشح الرئاسي وايداعه السجن خلال الأيام الأخيرة والتي يروج لها على أنها عملية اختطاف فيما يرى البعض الآخر أنها تتنزل في مسار إجرائي قانوني لا تشوبه شائبة، اواستعمال أجهزة الدولة ومن بينها القضاء لتصفية حسابات سياسية والقول بعودة قضاء التعليمات .
كل هذه المسائل وغيرها المفروض ان يتم توضيحها للعموم والحسم فيها في الابان من طرف السلطة القضائية حتى لا يتم استعمال هذه المسائل في توجيه الرأي العام ومغالطته وفي تبرير الهجمات المختلفة في كل الاتجاهات ، وفي استعمال كل الأسلحة وأكثرها قذارة في ضرب الخصوم . فالناخب التونسي من حقه ممارسة حقه في الانتخاب وهو على دراية تامة بحقيقة ما يحدث وما يحاك له من مختلف الأطراف المتسابقة للسلطة . وهذا الأمر لن يتوفر له إلا في ظل قضاء مستقل عن كل الضغوطات والتجاذبات، فهو بدون شك الضامن الفعلي للحقوق والحريات والضامن لتواصل المسار الديموقراطي والضامن ايضا لنزاهة الانتخابات .
لذلك يبدو أن معركة إثبات الاستقلالية للمرفق القضائي هو امر ضروري جدا في ظل هذا الوضع المتعفن الذي تعيشه تونس على أبواب انتخابات رئاسية سابقة لأوانها وتشريعية .ولا شك أن هذه المعركة تتطلب عدة شروط منها وبالاخص تمتيع القضاة بقانون أساسي وتحسين ظروف عملهم وأجورهم بما يحصنهم من كل الضغوطات والاغراءات وهي شروط ليست متوفرة الان بالقدر المطلوب وليست في مستوى آمالهم وانتظاراتهم .
المصدر
الصحافة اليوم ـ تونس
0 تعليق على موضوع : استقلالية القضاء ليست غاية صعبة المنال!
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات