تتبدى يوماً بعد آخر، ملامح “إمبراطورية”، واعدة في شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضابط الاستخبارات السابق في جهاز الـKGB، (لجنة الأمن الوطني التي تم حلها في العام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفييتي)، والذي يحمل أيضاً لقب “القيصر” كما يطيب لعشاقه مناداته به، ولهذه التسمية أيضاً دلالاتها الـ “إمبراطورية” الأخرى التي تغازل، وتحن لروسيا “القيصرية” (1721-1917)، والتي كانت، أيضاً، يوماً ما قطباً دولياً فاعلاً، ورقماً، لا يمكن تجاوزه على الساحة الدولية عصرذاك.
ولم تكن قد هدأت بعد ردود الأفعال، وكل تلك الهواجس والمخاوف والصدمات التي أثارتها عاصفة التصريحات النارية، غير المعتادة، التي أطلقها قبل يومين في رسالته السنوية إلى الجمعية الاتحادية الروسية، التي تـُعرف أيضاً “بخطاب الأمة”، وكشف فيها عن “المستور” من منظومة جديدة ومتطورة من الأسلحة تجعل من روسيا، وفقاً لبوتين، سيّدة العالم عسكرياً، بدون منازع، والآمر الناهي على الساحة الدولية، وتحيل ترسانة الغرب المسلحة، بما فيها النووية، إلى التقاعد وتحولها لمجرد خردة صدئة مهترئة وبالية لا تصلح إلا للعرض في متاحف التاريخ، حتى أشفعها يوم أمس، بتصريح أيضاً من العيار الثقيل، يحمل هو الآخر دلالات كبيرة، عن تفكير وتوجه “القيصر” الاستراتيجي، وطموحاته الإمبراطورية الواضحة، حين قال، طبقاً لـ RT، خلال إجابته على سؤال بمنتدى الإعلام الروسي، في مقاطعة كالينينغراد: “إن الحدث التاريخي الرئيسي الذي ودّ لو كان بإمكانه تغييره هو انهيار الاتحاد السوفيتي”، أي أنه ضد انهيار وتفتت الاتحاد. ويستشف، في الآن ذاته، من خلال تصريحات بوتين هذه، أن اللحظة التي سقط فيها الاتحاد السوفييت، كانت هي ذات اللحظة التي أيقظت عنده ذاك الشعور بإعادة تلك الإمبراطورية “القطب العالمي الكبير”، إلى الوجود بشكل أو بآخر، ويبدو أنه عمل، مذّاك، على ذلك وكرّس كل جهده، ووقته لتحقيق ذاك الحلم الإمبراطوري.
وبغض النظر عن ذاك الإسهاب المطول في خطابه أول من أمس وإيلائه قسطاً وافراً ورئيسياً منه للكلام عن “الفقراء” والفقر في بلاده وسعيه الدؤوب الحثيث لتحسين مستوى معيشة الشعب الروسي ورفع معدل الأعمار وسن الحياة في روسيا لتصل الثمانين عاماً، وفق ما قال، وناهيكم عن الجانب الإنساني والعميق والوطني القيادي الحكيم والمسؤول في هذه المداخلة المطولة غير أنها تخفي في ذات الوقت حكمة استراتيجية واضحة تولدت لدى القيصر وكانت أحد الأسباب بسقوط الاتحاد السوفييتي وهو تجاهل وإهمال “لقمة عيش المواطن”، ورفاه هذا المواطن وهو الركن الأساس في بناء ونشوء وارتقاء الأمم وبقائها، نقول بغض النظر عن كل ذلك، يبدو الآن، ومن خلال تبلور هذا الجانب، والتوجه الإمبراطوري في شخصية “القيصر”، فإن كل مناكفاته، ووقوفه الحازم والعنيد ضد السياسات الغربية ليس آنياً، أو مرحلياً، وعبثياً، تقبع خلفها استراتيجية متكاملة ومحددة، تتجلى بإعادة بناء وإحياء أمجاد روسيا “القيصيرية، والسوفيتية على حد سواء ووضعها مجدداً على السكة والمسار الإمبراطوري، كي تأخذ، وتمارس دورها الريادي الذي يليق بها وبمكانتها وموقعها وأهميتها كقطب عالمي وكقوة عظمى موجودة على المسرح العالمي، وعدم اعتبارها مجرد “قوة إقليمية” كما وصفها الرئيس الأمريكي السابق أوباما، محاولاً التقليل من شأنها بعد بروز وتعاظم الدور الروسي في العقد الأخير، وبعدما اعتقد الغرب أن نموذج ونهج ومدرسة “يلتسين” ستسمر هناك.
يجب وضع الاستراتيجيات الدولية كلها، اليوم، وفقاً، لما جاء في رسالة وخطاب بوتين للأمة، وتصريحه المثير حول الاتحاد السوفييتي، فروسيا الإمبراطورية تصحو وتولد من سبات مرحلي على يد قيصر عنيد اسمه فلاديمير بوتين.
المقال يعبر عن رأي كاتبه وهيئة التحرير غير مسؤولة عن الافكار والاراء الواردة فيه
0 تعليق على موضوع : بوتين: الحنين للعصر الإمبراطوري - بقلم : نضال نعيسة
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات