ما يحدث فى سوريا كارثة مؤسفة وإهانة تلحق بالعالم العربى كله. يزداد الألم والأسف أن مواجهة هذه المشكلة وحلها أصبح فى يد مجموعة من الغرباء، لا يهمهم أوضاع العرب وأحواله ولا يتمنون له الازدهار. كل منهم يهتم بمصالحه وأطماعه، وهى متضاربة تقلل من فرص الأمل فى حل سلمى عادل. يتصارعون بينما الضحايا واللاجئون والمشردون والأطفال تزداد أعدادهم بالآلاف وأغلبهم من أهل الوطن الواحد الذى كان يوما ومازال احد ركائز العالم العربى.
حالة الشعب السورى مأساة مؤلمة سواء الذين بقوا فى بلادهم معرضين للقتل كل يوم، أو الذين يعيشون فى خيام يعانون حتى الموت احيانا الصقيع والتجمد أو المرض أو الجوع، وكلهم مدينون لا حول لهم. وصلنى تقرير مؤسف لليونسكو عن وفاة الأطفال النازحين من سوريا بسبب البرد القارس. المعاناة السورية التى استمرت 8 أعوام من المآسى، تحملها الشعب ومستعد أن يتحملها سنوات أخرى حتى لا يخسر أرضه وكرامته. سوريا صامدة وشعبها صامد ويقوم الفكر السورى على أن من الأفضل أن نخسر نصف شعبنا على أن نخسر بلادنا وأرضنا وكرامتنا. احوالهم تفرض على الدول العربية اتخاذ مواقف إيجابية قوية تسهم فى حمايتهم وإحلال بعض السلام والتصدى للإرهاب الذى يهدد الشعوب العربية بنفس القدر، ووضع حد لانفراد غير العرب بتقرير مصير دولة عربية. لو كان للدول العربية موقف وثقل لما أصبح لغيرهم الدور الأساسى فى تشكيل مستقبل الوطن العربى. يتنازعون ويتصارعون ويختلفون سعياً للسيطرة على سوريا وكأنها دولة يتيمة مباحة لمن يريد الحصول عليها، ويتجاهلون جوهر السلام وحماية شعب سوريا.
الولايات المتحدة مواقفها متضاربة وتصريحاتها متناقضة. دخلت سوريا لمواجهة الإرهاب (وطبعا حماية إسرائيل) ترامب يدعى أنه يحارب الإرهاب ثم يعلن الانسحاب . وبولتون يصرح بأن أمريكا باقية . بومبيو يؤكد التزام واشنطن بأمن المنطقة. تركيا تصورت أنها فى طريقها إلى السيطرة على الأكراد واحتلال جزء من سوريا. لكن سقطت أحلام أردوغان ووعوده لشعبه بعموم الأناضول وسقوط الأسد وإبادة الأكراد. واشنطن تعتبر تركيا وريثتها فى المنطقة فى حرب الإرهاب وكأن لها حق ذلك التوريث وكأن أجهزتها لا تعرف مدى الاختلاف الجذرى بين أهداف واشنطن وأنقرة. يختلف الحليفان على تحديد من هم الإرهابيون، تدعى أمريكا أن داعش العدو الإرهابى، بينما يرى اردوغان أن الإرهابيين هم قوات سوريا الديمقراطيون ووحدات حماية الشعب الكردية ويجاهر أردوغان بهذا فى مقال له فى نيويورك تايمز يفضح نواياه فى سوريا ويكشف وثائق عن دوره فى دعم داعش بالسلاح والأموال والأفراد.تركيا حليفة أمريكا! هدفها إبادة الأكراد فى كل مكان وتدعم داعش، بينما امريكا تقول إنها تحارب داعش وتقوم بحماية الأكراد. إيران تحقق أطماعها وترسل طائرات بالسلاح ولها أجندة خاصة وروسيا تحمى مصالحها وتمد النظام بالسلاح. ورغم اختلاف مواقفهم ـ خاصة، فى إدلب، تعقد قمة بين روسيا وتركيا لملء الفراغ الأمريكى واقع مؤلم من المفروض أن يوقظ العروبة. اسرائيل ايضا دخلت الساحة تنتهز الفرص القائمة وتطالب بأن تصبح الجولان جزءا منها، ويعترف نيتانياهو بضرب صواريخ على المواقع الإيرانية فى سوريا. حتى فرنسا رغم ما تعانيه داخلياً، فإنها تريد أن يكون لها نصيب ثم تناقض نفسها وتدعم إرهابيى الناصرة. المقاطعة العربية تركت الساحة لتركيا وايران ووساطة روسية وقرارات أمريكية والعرب فى موقف المتفرج.
لقاء بعض المسئولين العرب بوزراء سوريا، أو تصريحات تطالب بعودة سوريا للجامعة، وزيارة رئيس عربى لدمشق وعودة محدودة للدبلوماسية العربية، كلها قرارات رشيدة لكنها تبدو وكأنها إرهاصات تتم على استحياء. المطلوب قرار عاقل حكيم واضح صريح يؤكد للعالم موقف العرب من دولة عربية ومصالح شعبها فهل نحن على ذلك قادرون؟
وإذا كانت العروبة غير قادرة على المساهمة فى إيجاد حل سلمى لمأساة سوريا فهل هى ايضا غير قادرة على اتخاذ قرارات رشيدة تدعم ذلك الحل السلمى المنشود وتعطى رسالة للعالم أن سوريا ليست وحدها فى الساحة، وهو موقف يتماشى مع رغبة الشعوب العربية أو أغلبها فى إنقاذ شعب سوريا. هل العروبة بإمكاناتها راغبة فى السعى نحو المصالحة أو حتى نوع من التقارب السورى العربى حتى يتفرغ الجميع لمواجهة العدو الحقيقى الذى يهددنا جميعا؟.
إن عودة السفراء العرب الى دمشق، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، قد لا تحل المشكلة لكنها رسالة وخطوة أصبحت ضرورية لإنقاذ شعب يعانى ودولة كثر اعداؤها والطامعون فيها والراغبون فى تقسيمها. وعودة سوريا للجامعة لا يعتبر مكسباً لإيران فى ظل يقظة دول الجامعة.
والسؤال هو: هل يمكن ان عدم رضاء دول عربية عن دولة عربية يصبح عقبة فى سبيل إنقاذ الشعب السورى، إن قرار الأمم المتحدة رقم 2254 بشأن سوريا ينص على المفاوضات وحماية السلام والشعب، وليس الالتزام بأهواء الدول الأخرى. جامعة الدول العربية انعكاس دقيق للحكومات العربية وعلى قدر تقدم واستنارة الحكومات يكون اداء الجامعة.هل جامعة الدول العربية برئاسة قطر جمدت حكومة سوريا، وهل سقط عنها كل التزام أدبى وإنسانى تجاه شعب سوريا؟.
عقد مؤتمر الجامعة فى بيروت وتناول مشكلات التنمية. كان من الضروى الإشارة إلى معاناة فلسطين وكان ايضا من المناسب الإشارة إلى مأساة النازحين السوريين ونتوقع تصحيح ذلك فى اجتماع تونس. مصر لا تعتبر أهل سوريا الذين التجأوا اليها لاجئين فى معسكرات وخيام إنهم يعيشون معنا وبيننا كجزء من وطنهم الثانى اجتماعياً واقتصاديا وثقافيا نرحب بهم وبمشروعاتهم ونحترم إصرارهم على أن يظلوا وقوفاً. وفى نهاية الأمر فإن هناك مسئولية كبرى على الحكومة السورية والمعارضة الوطنية ولا يجوز أن يستمرا فى عداء من اجل حماية الشعب السورى. كلا الجانبين يحب وطنه ويتصور أنه يسعى لمصلحته. النضح السياسى والوطنية الحقيقية تفرض عليهما التخلى عن العنجهية والعناد من اجل حماية وطنها وشعبها قبل كل شيء. فهل الدول العربية قادرة نحو التحرك على إحداث مصالحة أو شبه تقارب سورى سورى؟؟!
حفظ الله مصر.
لمزيد من مقالات د. ليلا تكلا
0 تعليق على موضوع : سوريا إلى متى؟ وأين العروبة! // بقلم : د. ليلا تكلا
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات