شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

مصر.. وإعادة إعمار سورية (2-2) // د. محمد فراج



سيكون هذا المقال بين يدى القارئ الكريم بالتزامن مع انعقاد القمة الاقتصادية في بيروت(19/20 يناير الجارى) بإذن الله.. وقد أشرنا في الجزء الأول من مقالنا (الأموال - 13يناير) إلى أن المؤتمر سينعقد بدون سورية، وإلى أن هذا سيكون سبباً لتأجيل بحث المشاركة العربية الشاملة في إعمار سورية، ومن ثم إلى تأجيل بدء اتخاذ خطوات عربية منسقة في مجال إعادة الإعمار وقضية عودة اللاجئين (والنازحين) المرتبطة عضويا بإعادة الإعمار. 


كما أكدنا أن هذا التباطؤ العربي المؤسف في عودة سورية إلى مكانها الطبيعى في الجامعة والقمم العربية، لا ينبغي أن يعوق مصر عن الدور الذى تراه متناسبًا مع مسئولياتها القومية باعتبارها كبري الدول العربية من ناحية، وبمستوى تطور علاقاتها مع الشقيقة سورية من ناحية ثانية ــ وهو مستوى أكثر تقدمًا من مثيله بين دول عربية أخري وبين دمشق ـ وبما يحقق المصالح المتبادلة لاقتصاد البلدين من ناحية ثالثة.

وبديهى أن أى حديث عن الاقتصاد السورى أو العلاقات الاقتصادية مع دمشق لابد أن تتصدره قضيتا عودة الإعمار وعودة اللاجئين (والنازحين) المترابطتان عضويًا، كما أوضحنا تفصيليًا في الجزء الأول من مقالنا.

وبديهى كذلك أن الدور المصرى في إعادة إعمار سورية وعودة لاجئيها (ونازحيها) إلى ديارهم؛ يثير علي الفور أسئلة تتصل بقضية التمويل، الذى أوضحنا في الجزء الأول من مقالنا ضخامته الشديدة (أربعمائة مليار دولار على الأقل).. في الوقت الذى تحتاج مصر فيه بشدة إلي تدفق الاستثمارات الأجنبية، ويعانى فيه اقتصادها من المديونية العالية الداخلية والأجنبية على السواء.. بينما تعانى سورية من شح شديد في الموارد والقدرة علي سداد القروض والمدفوعات الأجنبية.

كل هذا صحيح.. لكنه لا ينفي موجبات وأفضليات التعاون المصرى ـ السورى، ولا المصالح المتبادلة التي يمكن أن تتحقق من خلاله.. علمًا بأن أحدًا لا يطالب مصر بدور رئيسى في إعادة إعمار سورية، وإنما بالدور الذى تسمح به قدراتها الاقتصادية.. وبأن يكون لها (حضور) في الساحة السورية، وفي دعم الأشقاء السوريين في حدود تلك القدرات، وببعد النظر الذى يتيح للمسئولين الاقتصاديين ورجال الأعمال المصريون رؤية(العائد) السياسى والاقتصادى المستقبلي بالسوق السورية في لحظة «تحول تاريخية»، لا يمكن قياس «حسابات المكسب والخسارة» بمقاييس قصيرة النظر، لا ترى أبعد من موطئ الأقدام.. وبديهى أنه ينبغى اختيار مجالات التعاون (والمساعدة) بما يحقق لمصر ميزة تنافسية نسبية، ويعود بفائدة متبادلة.

وسنشرح هذا كله فيما يلى من مقالنا، واضعين في اعتبارنا بالطبع أن (الدور الأساسى) في إعادة إعمار سورية سيكون المرشحون الأوائل للقيام به هم:

1- روسيا: بما لها من نفوذ سياسى وعلاقات اقتصادية وثيقة بسوريا، بحكم الدور العسكرى والسياسى الذى قامت به خلال السنوات الماضية، والمرشح للاستمرار خلال السنوات المقبلة.. وبرغم عدم ضخامة إمكاناتها الاقتصادية..

2- الدول الغربية الكبرى: وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا استنادًا إلي ما أبدتاه من اهتمام ومرونة تجاه دمشق في الفترة الأخيرة (مؤتمر اسطنبول ـ 27 أكتوبر 2018).

3- الدول العربية البترولية: لاحظ افتتاح السفارة الإماراتية فى دمشق، وإعادة تشغيل السفارة البحرينية، بما يشير إلى إعادة نظر من جانب الدول الخليجية في موقفها من الأزمة السورية، من المتوقع أن تصل قريباً إلى الكويت والسعودية.

4- دول كالصين وكوريا الجنوبية- علي أساس عملي وربحى أساسًا- وإيران بعد تجاوز أوضاعها الاقتصادية الصعبة حاليا.

< < <

وإذا عدنا إلى مصر فإننا نشرح تصورنا لدورها فيما يلى:

أولا: موجبات الدور المصرى: عانت مصر طويلاً من محاولات تهميش وتقزيم دورها في القضايا العربية والشرق أوسطية، وتجاهل وزنها الاستراتيجى والسياسى والاقتصادى والعسكرى والسكانى، باعتبارها كبرى الدول العربية، وخاصة في السنوات الأخيرة لحكم مبارك، ثم بعد ثورة 30 يونيو.. وشاركت في هذه المحاولات كل من أمريكا ودول غربية كبرى، وإسرائيل وتركيا وإيران، وعدد من الدول العربية (لأسباب مختلفة تعددت باختلاف هذه الأطراف ومصالحها.. مما لا يتسع المقام لمناقشته هنا)..

غير أن وقفة الشعب المصرى الصلبة ضد «الإخوان» والإرهاب، ولجوء القاهرة إلى تنويع خياراتها الاستراتيجية (سياسياً وعسكرياً واقتصاديًا) بعد 30 يونيو، وهزيمة المغامرة الاستعمارية ــ الإرهابية ـ في كل من سورية والعراق، والخطوات الأولى التى تحققت في إعادة بناء ليبيا بمشاركة مصرية (جيش حفتر أساسًا)، ومقاومة الشعب الفلسطينى الباسلة لما يسمى بـ(صفقة القرن).. وتطورات أخرى عديدة.. تفتح الباب أمام مصر لإمكانية استعادة دورها المحورى في المنطقة.

وتمثل سورية بالذات مدخلاً شديد الأهمية في هذا الصدد، خاصة أن الموقف المصرى منذ30 يونيو عارض بشدة الحرب الاستعمارية ـ الإرهابية ـ على سورية، وأفشل محاولة بناء تحالف عربى (مذهبى) ضدها، ورفض مبدئيًا محاولات الإطاحة بالنظام السورى من خلال تدخل عسكرى خارجي أو تقسيم الدولة أو المساس باستقلالها.

لذلك جاءت هزيمة الإرهاب في سورية بمثابة امتداد لهزيمته في مصر، وانتصار كبير للشعب المصرى.. ولا شك أن مساعدة الشعب السورى على إعادة بناء اقتصاده، باستعادة الحياة الطبيعية ستكون استكمالًا منطقيًّا لهذا الانتصار، وتعزيزًا لعلاقات قوى جديدة تتسم بأهمية كبيرة للمنطقة بأسرها.. وهذه كلها أمور تستحق قدرًا من التضحية، في الحدود التى يتحملها الاقتصاد المصرى، وإذا كانت مصر قد شاركت في تمويل سد علي أحد فروع النيل البعيدة (في تنزانيا ـ في أقصى جنوب الوادى بثلاثة مليارات و500 مليون دولار)فلن يكون كثيرًا عليها أن تشارك مثلًا في تمويل مشروعات لإعادة إعمار سورية في حدود المليار دولار تنفذها شركات مصرية.. ويمكن تدبير التمويل لها من البنك الآسيوى للإنشاء والتعمير مثلًا (الذى أنشأته الصين ودول البريكس).. أو من بنك التنمية الإسلامى والأهمية الاستراتيجية لمثل هذه المشاركة تستحق السعى.

ثانيًا: ولا شك أن التطورات السياسية الأخيرة مثل عودة العلاقات الإماراتية ـ السورية وإعادة افتتاح السفارة البحرينية، ومن المتوقع أن تتبعهما الكويت والسعودية، تفتح أبواباً مهمة لإمكانية دعم المشروعات المصرية في سورية (علاقاتنا مع الإمارات مثلاً ممتازة)تحت شعار (دعم المشروعات العربية أولاً).. فى إطار المشاركة الخليجية في إعادة إعمار سورية.. كما يمكن أن تسهم الشركات الإماراتية العملاقة في مجال الإنشاءات (مثل إعمار وداماك) بجزء من إنفاقها الاستثمارى في دعم مشروعات تنفذها الشركات المصرية في مجالات بناء المساكن الشعبية والمتوسطة (حيث تتخصص الشركتان المذكورتان في الإسكان الإدارى والفاخر) ولا تمثل الشركات المصرية منافسين لهما.. ويمكن إمدادهما في المقابل بالأسمنت وحديد التسليح والسيراميك.. الأمر الذى يمثل إنعاشًا للصادرات المصرية وتمويلا لمشروعاتنا.

ثالثًا: كما أن مشروعات إعادة الإعمار المصرية في سورية سيكون من الطبيعى أن تستورد مواد بناء مصرية (أسمنت/حديد تسليح/ سيراميك...إلخ) و«أدوات صحية وأدوات كهربية، وأسلاكًا وكابلات إلخ» وكلها معروفة بجودة مستواها وقدراتها التنافسية في الأسواق الدولية.. وكل هذا يمثل إنعاشًا للإنتاج وللتصدير المصرى.. يحتاج بالطبع إلى دعم تمويلي أولى يمكن أن توفره الدولة، ليكون له مردود إيجابي على الصناعة المصرية.. علمًا بأن هذا التمويل يمكن تدبيره ـ أو تدبير أجزاء منه ـ من مصادر عربية وأجنبية خاصة إذا قامت الدولة بتنسيق عمليات الشركات المصرية في سورية وهو أمر مطلوب.

رابعا: كما يمكن أن تقدم الدولة تيسيرات تحفيزية للشركات المصرية العاملة في السوق السورية، وأن تتفق مع الحكومة السورية على تقديم تيسيرات من جانبها، وإعفاءات ضريبية (على أساس التبادل) وغير ذلك من الحوافز، خاصة في ظل العلاقات السياسية الجيدة مع دمشق.. علمًا بأن المعاملات سيكون أغلبها مع الدولة السورية، مما يمثل ضمانًا لأموال واستحقاقات الشركات المصرية.

خامسًا: علمًا بأن العمل في (ورشة إعادة الإعمار) السورية الهائلة سيستغرق أعوامًا طويلة، مما يمثل فرصًا استثمارية طويلة الأجل للشركات العاملة في سورية، وليس لشركات المقاولات والإنشاءات وتلك المرتبطة بها فحسب، بل ولشركات الأثاث والأدوات المنزلية والمكتبية وغيرها..

سادسًا: والأمر المؤكد أن دخول سوق كهذه يحتاج إلى دراسة عاملة جدية للغاية لتفاصيل السوق واحتياجاتها وأولوياتها وأوضاع المنافسين ــ إلخ.. وكذلك لما يمكن للسوق السورية تقديمها لمصر، حيث إن أوضاعًا استثنائية كالتي تمر بها سورية يمكن أن يناسبها استخدام واسع النطاق (للصفقات المتكافئة/ المقايضة) لسداد المستحقات المصرية، بحيث يكون هناك نظام كفء وسريع لاستيداء المستحقات أو جانب معتبر منها.. وغنى عن البيان أن هذا كله يقتضى وجود دور إشرافى كفء ومرن من جانب الدولة لمساعدة شركاتها وشركات القطاع الخاص على تذليل الصعاب وإنجاز المشروعات والصفقات.

مهمة صعبة؟.. نعم.. وتحتاج إلى تفكير حى خارج الصندوق في أمور كثيرة؟.. نعم.. لكن ثمارها ممتازة ومضمونة.. وتخلق لمصر اسمًا في (ورشة إعادة إعمار سورية.. وتمثل مساعدة ثمينة للشعب السورى الشقيق فى العودة إلي بلاده (وإلى دياره).. ولن ينساها السوريون لأشقائهم المصريون، مهما يكن دورنا محكومًا بحدود قدراتنا..

وهى كذلك مهمة ستجعل لمصر صوتًا مسموعًا أكثر فى القضايا العربية.. وسترفع من مكانتها الاستراتيجية كشقيق أكبر للدول العربية.. وهذا أمر يستحق التضحية..

وأخيرًا.. وليس آخرًا على الإطلاق.. فإن علينا أن نتذكر دائمًا أن سورية كانت على مدى التاريخ خط الدفاع الأول عن مصر.. تمامًا كما كانت مصر سندًا وظهيرًا لسورية.. وسنظل كذلك دائمًا.. فهذا هو حكم الجغرافيا والتاريخ.

كاتب الموضوع

شبكة الدانة الاعلامية

0 تعليق على موضوع : مصر.. وإعادة إعمار سورية (2-2) // د. محمد فراج

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017