مبدعون وهميون ودروع مجانية – جليل وادي

يبدأ الخراب عندما تتحول الفعاليات الفنية والمؤتمرات العلمية والأنشطة الأدبية الى مهرجانات اعلامية بامتياز من دون ان يسأل المعنيون أنفسهم عن الجدوى من اقامتها ، ومقدار تأثيرها في المجتمع ، والى أي مدى أسهمت في حل اشكالية ، او اضافة معرفة نوعية ، او ترسيخ الأصيل من التقاليد ، أو محاكاة المستحدث منها للارتقاء بذائقة الجمهور ، وما الجديد الذي قدمته الفعالية التي انُفقت من أجلها أموالا طائلة ، وهل يتناسب حجم الانفاق مع الأهداف المتحققة ؟.

 قد نصرف النظر عن فعاليات تعقدها جهات دعائية او جمعيات ناشئة او منظمات مجتمع مدني لم ترتق بعد الى مستوى معين من الجودة ، لكن لا يمكن القبول بذلك من مؤسسات يفترض ان تكون رصينة ويراد لها أن تنهض بمهمات وطنية أو علمية ، فمن المُعيب ان تنظم فعاليات فارغة من المحتوى ، وأغلبها ليس سوى مهرجانات لتوزيع الدروع المجانية لهواة الظهور تحت الأضواء من دون ان يقدموا شيئا للمجتمع ، او يتبادل المنظمون بينهم الجوائز والشهادات التقديرية والدروع ، وعلى هامش ذلك يُكرم المشاركون الفعليون ، وفي أحيان يجري تكريمهم في جلسات غير رئيسة ، او ان الجوائز من الكثرة ما يفقد التكريم قيمته وأهميته بوصفه حافزا للإبداع ، وبالتالي نقدم الفاشلين ونخسر المبدعين . 

بحكم عملي الصحفي حضرت العديد من الأنشطة ، لكني لم ألمس في الكثير منها المستوى الذي نتطلع له ، ولم تكن مشابهة او مقاربة لنشاطات تُعقد في دول لا تملك من العراقة ما للعراق منها بلدا ومؤسسات ونخبا فكرية وثقافية وعلمية . وأسمع وأرى أفرادا من الجهات المنظمة يوظفون هذه الفعاليات ليس للأهداف التي عُقدت من أجلها ، بل لبناء علاقات ضيقة مع شخصيات او مؤسسات داخل العراق وخارجه ، او يراد بها تجميل سيرة ذاتية بادعاء المشاركة في فعاليات بعناوين براقة لافتة للأنظار ، وتزيينها بدروع التميز والشهادات التقديرية ، 

ما استغرب له كيف يرضى أمثال هؤلاء الكذب على أنفسهم ، وايهام الناس والفخر أمامهم ، وهل من احترام للنفس بأفعال من هذا القبيل ؟ البعض يظن انه شاطر في خداع الناس ، لكنه لا يخدع غير نفسه ، فالناس تعرف الحقيقة وان جاملوه بابتسامة خجولة ، او طبعوا على خده قبلة زائفة . ما استغربه ايضا كيف يقبل البعض التكريم وهو يعرف ان التكريم لم يأت لفعل مبدع قام به ، وانما لمصلحة يراد لها التحقق ، يكذبون ويصدقون أكاذيبهم ، يا لهول هذا الزيف والخراب .

نريد فعاليات حقيقية وليست أكاذيب تحبط المبدعين وتحرم البلاد من طاقاتهم ، ولكي تتحقق الأهداف والتأثيرات لابد ان تتسم الفعاليات بمستوى عال من التنظيم ، وانتقاء المشاركين بها ، واعداد سيناريوهات دقيقة ، فضلا عن ضبط التقنيات المستخدمة، لا نريد فعاليات عشوائية يديرها عديمو الخبرة والمعرفة ، ويتسيّدها الفاشلون ويُهمش فيها المبدعون ، نتطلع ان يكون المبدع نجما ، ونجهد في تسويقه للمجتمع ليكون مثالا يُحتذى ، فما أحوجنا للنماذج ، هذا اذا كنا امناء على مؤسساتنا ومؤمنون برسالتنا ومنتمون حقا لوطننا ، اما الذين لا يخطر في ضمائرهم الوطن ، وماذا سيقُال عنهم مستقبلا ، وكيف سيمر ذكرهم على ألسنة الناس ؟ فأظن ان ما أتحدث به لا يعنيهم بشيء ،

 ولكني اذكّر ان الصدق مع النفس هو المدخل الرئيس للإبداع ، وان التطلع للنهوض بالمجتمع يجسد حقيقة الانتماء للوطن . ومع ان مسؤولية عقد فعاليات سائبة تتحملها الجهات المنظمة نفسها ، الا ان ذلك لا يعفي الجهات العليا من المسؤولية بسبب إهمالها المتابعة والتغاضي عن الاخفاقات ، واللامبالاة ازاء ما تخلفه من احباطات لدى الشباب ، فيراد لها التقصي عن جودة هذه الفعاليات ومستوى مضامينها ونوعية المشاركين بها ، وطبيعة التكريم والمكرمين ولماذا ؟ وتقنين التكريم بالحدود الدنيا ، ليكون له معنى ، فالهدف تحفيز المبدعين ورعاية المواهب وتثقيف المجتمع ، فالمؤسسات التي يُحبط فيها المبدعون ويرتقي منصاتها الفاشلون يُستحسن غلقها لكي لا توغل في التخريب .