أولاً، لدينا «العالم الواقعي: يتغيّر اللاعبون، لكن تبقى اللعبة» (ستيفان كوتكين)، وفي هذا العالم هناك قواعد موضوعية ثابتة حيث الصراع هو الأصل، والسعي للنجاة والأمن والقوة هو مراد الجميع. ويعود هذا «العالم» للصعود بعدما ظن كثيرون أن العولمة والليبرالية تجاوزت حقبة لعبة «الجيوبولتيك» وصراعات القوى الكبرى. بناءً عليه، فأحداث هذا العالم ستقودها سياسات القوى الكبرى، ولذا فإن مسار هذا القرن مرتبط إلى حد بعيد بالشكل الذي سيتخذه التنافس الصيني ــــ الأميركي.
يرى كوتكين تماثلاً بين سماح بريطانيا، مملكة التجارة الحرة، بصعود ألمانيا التوسعية في بدايات القرن العشرين، مع ما تفعله الولايات المتحدة مع الصين. بينما لدى الليبراليين حجة مضادة بأن من شأن دمج الصين في النظام الدولي أن تقوي الاتجاهات الليبرالية داخل الصين وتُشجعها على التحوّل والاندماج السلمي في النظام، في ظل قيادة الولايات المتحدة. إلا أن ما حصل، بحسب كوتكين، هو أن الصين نجحت في بناء اقتصاد سيصبح أكبر بشكل مستدام من الاقتصاد الأميركي من دون أن تصبح الصين ليبيرالية ومن دون أن تعاني من الشمولية في الوقت ذاته. وهذا ما يدفع الساسة الأميركيين إلى اتهام الصين بأنها تستغل النظام الدولي ومؤسساته من دون أن تلتزم بقيمه وشروطه.
في المقابل، وقع الغرب في الشلل الداخلي بسبب تجاهل نخبته الآثار الاجتماعية والاقتصادية للعولمة في الداخل، وهي أدت إلى تفجير تناقضات داخلية وقادت إلى ظهور الشعبوية والقومية. لكن على المدى البعيد، ورغم هذه التحولات، فإن الديكتاتورية مع قوتها تبقى هشّة في حين مهما بدت الديموقراطية مثيرة للشفقة تبقى مرنة، يقول كوتكين. ثم إن السماح بصعود الصين رافقه صعود أوروبا واليابان والبرازيل والهند وآخرون، وهؤلاء يفضلون القيادة الأميركية. لكن السؤال: هل ستضرب الصين بمصالح الآخرين عرض الحائط لأنها تستطيع القيام بذلك؟ وهل ستقبل أميركا شركاء في القيادة العالمية لأنه يجب عليها ذلك؟
لا يرى الكاتب أن التاريخ قادر على أن يخبرنا شيئاً عن المستقبل (بينما الواقعيون يقولون العكس لأن التاريخ عندهم يجري بصورة دائرية)، إلا أنه يستطيع أن يخبرنا بأن المستقبل سوف يفاجئنا. لذا، ورغم عودة «الجيوبولتيك»، فإن المخرجات الإيجابية ممكنة، فالواقعية ليست محكومة باليأس، بينما في المقابل فإن منتجات الليبرالية والعولمة كالذكاء الاصطناعي والطباعة الثلاثية الأبعاد والثورة الرقمية والجينية يمكن أن تحدث انقلاباً في التجارة العالمية وتشيع الفوضى في العالم بشكل دراماتيكي، يخلص الكاتب.
كي لا ينفجر هذا العالم الواقعي، أربعة أمور ينبغي أن تحدث: أولاً، على الغرب أن ينجح في تعميم فوائد العولمة (عالم منفتح ومندمج) على غالبية سكانه، وثانياً أن تحافظ الصين على صعودها السلمي، وثالثاً على الولايات المتحدة أن تحقق توازناً سليماً من الردع القوي ضد الصين واستعادة الانتظام محلياً، ورابعاً أن تحدث نوعاً من معجزة تعالج قضية تايوان، يختم كوتكين
0 تعليق على موضوع : سؤال القرن: أيّ عالم سينتصر؟ / بقلم : حسام مطر
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات