شكل الوسط والسبابة والإبهام مثلثا حول قلم أعلن العصيان فتحول الرقم الذى جاهدت صاحبة الأنامل التى أصابها الخدر أن تخطه على الورق لمجرد علامة لا مرئية ..تلفتت حائرة وقد تنازعتها أكثر من رغبة للتخلص من تصلب أنامل لا تحسن الإمساك بقلم لطول معاشرتها للأزرار والهروب من موقف سخيف وحصار نظرات عملاء تأففوا لطول انتظار، وأوشك صبرهم أن ينفد بعد أن تحولت ماكينة سحب الأرقام لكتلة صماء جامدة وتجمدت اللافتات التى تحدد أرقام مكاتب خدمة المواطنين فكساها سواد تقطعه بين الحين والآخر نقاط حمراء ما إن تظهر حتى تختفي، ليظل المواطنون والموظفون وراء مكاتبهم فى انتظار الفرج وعودة النظام، الذى سقط دون سابق إنذار، للعمل .. مع طول الانتظار واتقاءً لشر مشاجرات ومناوشات يشعلها الترقب والرغبة فى الانتهاء من مصالح خرج المواطنون من «صباحة ربنا» لإنجازها ليستكملوا بعدها اليوم سعيا وراء لقمة عيش عسيرة، قرر رئيس المكان الذى تم تطويره وتزويده بمنظومة رقمية تساير العصر التدخل فأزاح الموظفة الحائرة وخط بقلمه الأرقام واشفع كل واحد منها بنداء بصوته الجهورى على الأستاذ«فلان» والأستاذ«علان» معلنا إرساله للعميل الذى يحمل رقما خطه بيده ..
الواقعة التى ترويها السطور السابقة ليست حكاية من وحى الخيال وأكاد اجزم أن كثيرين منا عايشوا وقائع مشابهة، وإن اختلفت التفاصيل والنهاية، سواء فى البنوك أو شركات الطيران أو قطاعات خدمات المواطنين التى يصيبها الشلل فجأة لمجرد أن النظام الالكترونى توقف وبتعبير العاملين فيها «السيستم وقع»!!
والحقيقة أن الحكاية السابقة وكل الحكايات والتجارب المشابهة التى نتعرض لها فى حياتنا اليومية ولا نتوقف أمامها كثيرا اللهم إلا من قبيل التعبير عن الغضب لإهدار الوقت والجهد تلخص مشكلة استخدام التقنيات التكنولوجية المتطورة فى سياق منظومات فكرية جامدة والتعامل السطحى مع قشور بنية معلوماتية غير متكاملة الأركان تضطرنا للعودة للطرق التقليدية البدائية .. فمحاولة المزج بين ما لا يختلط،أو كما قال من سبقونا خلط الزيت بالماء محكوم عليها بالفشل وربما تنتهى بكارثة شبيهة بأبيات الشاعر العباسى بشار بن برد «ربابة ربة البيت تصب الخل فى الزيت- وضاعت منه مطرقته وسُرقت منه مزيدته»!! فالتعامل مع قشور أى منظومة وعدم توافر كل أركانها والثقافة التى تحدد طبيعة وطريقة التعامل معها، له تبعات سلبية ظهرت جليا فى استخدام صفحات على الإنترنت فى السنوات الماضية لتسريب الامتحانات واستخدام الموبايل للغش وكارثة وفاة 3 مرضى بسبب تلوث جهاز غسيل الكلى بمستشفى ديرب نجم و..و..
ولعل ما سبق يشى بأهمية العمل على تبنى ثقافة تواكب متطلبات عصر من المستحيل أن نتخلف عن ركبه أو نتجاهل أدواته، فنتعامل معه جزئيا أو من وراء أسوار، وإن كشفت ما وراءها تحول بيننا وبين التعايش والتفاعل مع واقع حتمى لا نملك تجاهله..
بناء هذه الثقافة يتطلب فهم البيئة التى أوجدتها التكنولوجيا الجديدة والأبعاد الاجتماعية والأخلاقية التى فرضتها والتعرف على القوانين الحاكمة لها، ثم تأهيل المواطن للتفاعل مع هذه المنظومة بكل عناصرها. ولعل أقرب مثال لعملية التأهيل المطلوبة ومحو الأمية الرقمية هو بناء القدرة على تقييم المواد المنتشرة على الإنترنت والتمييز ما بين المعلومة الصحيحة والمكذوبة التى تهدف لنشر الشائعات أو تزييف الوعى أو الاحتيال عبر البريد الإلكتروني. وإذا كانت الدراسات تؤكد أن المراهقين والشباب يقضون وقتًا أطول على الإنترنت مقارنة بمشاهدة التليفزيون وأثبتت على مستوى العالم العربى ارتفاع نسبة مواقع الويب باللغة العربية خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، وقدرت عدد مستخدمى الإنترنت فى العالم العربي،آنذاك بًنحو 30 مليوناً معظمهم من الشباب،يفرض السؤال نفسه ..ما هى آليات تأهيل أبناء عصر الرقمنة للتفاعل مع مجتمعاتهم والتكيف مع العصر الجديد.
وللحديث بقية
0 تعليق على موضوع : سيادة المواطن.. رقمى «5» / بقلم : ســناء صليحــة
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات