شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

سمير أمين: الاحتكارات المالية وسلطتها المطلقة




لا تسيطر الاحتكارات على الحياة الاقتصادية في بلدان الثالوث فحسب، وإنما تحتكر كذلك السلطة السياسية بما يخدم مصالحها، حيث تدين لها الأحزاب السياسية (من اليمين واليسار).

ويعتبر هذا الوضع، حالياً وفي المستقبل المنظور، «شرعياً» رغم ما يعنيه ذلك من تهوين من قيمة الديمقراطية. ولن يتأثر هذا الوضع إلى أن تظهر، في مستقبل ما، «جبهات معادية للمديرين الأثرياء» (البلوتوقراط) وتضع على أجندتها إلغاء الإدارة الخاصة للاحتكارات وإشراكها في أشكال معقدة ومتطورة صراحة.

وتمارس الاحتكارات المعممة نفوذها في التخوم بطرائق مختلفة تماماً. فرغم أن نقل المصانع والتشغيل من الباطن قد أعطى الاحتكارات بعض القدرة للتدخل مباشرة في الحياة الاقتصادية للبلدان المختلفة، ولكنها تبقى بلداناً مستقلة تسيطر عليها الطبقات المحلية الحاكمة، وعلى الاحتكارات المعممة أن تتعامل من خلالها. وهناك عدد كبير من الصيغ التي تحكم هذه العلاقات، ابتداء من الخضوع المباشر للطبقات الحاكمة في البلدان التي تحولت للكومبرادورية (أي أُعيد استعمارها)، خاصة في البلدان المهمشة من التخوم (في إفريقيا وغيرها)، إلى المفاوضات الصعبة أحياناً (مع ضرورة عمل تنازلات متبادلة) مع الطبقات الحاكمة خاصة في البلدان االبازغة وأهمها الصين.

وهناك كذلك احتكارات معممة في بلدان الجنوب، وهي شركات القطاع العام الكبرى في بلدان الاشتراكية كما هي في الواقع (في الصين طبعاً كما في الاتحاد السوفيتي السابق وكذلك بحجم أقل في كوبا وفيتنام). وكذلك كان الحال في الهند والبرازيل وغيرهما من بلدان الجنوب الرأسمالي. وبعض هذه الاحتكارات كان لها وضع عام أو شبه عام، وبعضها قطاع خاص. ومع تعمق العولمة، بدأت بعض هذه الاحتكارات (عامة وخاصة) في التوسع خارج حدودها وفي اتباع وسائل احتكارات الثالوث، ولكن توسع احتكارات الجنوب خارج حدودها بقى، وسيبقى لوقت طويل، هامشياً بالنسبة لتوسع احتكارات الشمال. وفضلاً عن ذلك فاحتكارات الجنوب لم تستولِ على السلطة السياسية في بلدانها لمصلحتها المنفردة. وفي الصين ما زالت الطبقة السياسية الحاكمة في دولة الحزب تسيطر على قلب السلطة. وفي روسيا أعاد مُركب الاحتكارات العامة/ الخاصة السلطة مرة أخرى للدولة التي كانت قد فقدتها لبعض الوقت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وفي الهند والبرازيل وغيرهما من بلدان الجنوب، فإن سلطة الاحتكارات ليست منفردة، وتبقى السلطة بين أيدى مجموعات قائدة متسعة تشمل البرجوازية الوطنية، والطبقات المتوسطة، وملاك الأبعديات الشاسعة، وأغنياء الفلاحين.

وتجعل هذه الأوضاع المختلفة من الضروري عدم الخلط بين وضع الدولة في بلدان الثالوث (حيث تعمل الدولة للمصلحة المنفردة للاحتكارات وحيث مازالت تحتفظ بالشرعية) وبين الدولة في التخوم. فهذه الأخيرة لم تتمتع أبداً بشرعية دولة المراكز، ومن الممكن أن تفقد القليل من الشرعية الذي تملكه. فمن يسيطرون على السلطة ضعفاء ويتعرضون لأخطار الصراع الاجتماعي والسياسي.

ولا شك في أن الفرض المستمد من النظرة الخطية المراحل التطور (التي قدمها روستوف في عام 1960) والتي تقول إن هذا التعرض للخطر عابر وقابل للزوال مع نمو الرأسمالية المحلية المندمجة في العولمة، غير صحيح حتى بالنسبة للبلدان البازغة. ولكن الفكر والاقتصاد الشائعين لا يملكان القدرة الثقافية لفهم استحالة «اللحاق» في داخل النظام، وأن الفجوة بين المراكز والتخوم لن تختفي تدريجياً.

والاحتكارات المعممة والسلطات التي تخدمها في بلدان الثالوث مهتمة أساساً بالخروج من الأزمة المالية وإعادة النظام إلى ما كان عليه. وهناك من الأسباب ما يدل على أن هذه العودة، وهي ليست مستحيلة وإن كانت أصعب كثيراً مما تبدو، لن تكون مستدامة لأنها تعنى الرجوع إلى التوسع المالي الأمر الجوهري للاحتكارات المعممة لأنه وسيلتها لانتزاع الريع الاحتكاري لمصلحتها الخاصة. ولذلك فهناك احتمال لحدوث انهيار آخر أكثر دوياً من انهيار عام 2008. وعلى أي حال، فإن إعادة النظام بهدف السماح للاحتكارات بالعودة إلى التوسع في نشاطاتها سيعنى التوسع في عملية التراكم عن طريق استنزاف شعوب الجنوب (عن طريق الاستحواذ على مواردها الطبيعية بما فيها الأراضي الزراعية). ولن يتغلب الخطاب البيئي عن «التنمية المستدامة» على منطق توسع الاحتكارات الذي يبدو أنه يستحوذ ظاهرياً على هذا الخطاب كما نراه بالفعل. وستكون الضحية الأساسية لهذه الإعادة هي أمم الجنوب سواء في البلدان البازغة أو غيرها.

وهكذا فالصراعات بين الشمال والجنوب مرشحة للتفاقم في المستقبل، وبذلك يكون رد الجنوب على هذه التحديات محورياً في تحدي النظام العولمي بأكمله. وهذا لن يعني التشكيك مباشرة في الرأسمالية، ولكنه بالتأكيد يعني التشكيك في شرعية العولمة التي توجهها الاحتكارات المعممة المسيطرة.

ويجب أن يركز رد الجنوب على تسليح شعوبها ودولها في مواجهة عدوان احتكارات الثالوث، وتسهيل «فك الارتباط» مع النظام المعولم الحالي وتدعيم أشكال بديلة من التعاون المتعدد الأطراف جنوب/ جنوب.

ولا شك في أن تحدى وضع الملكية الخاصة للاحتكارات المعممة من جانب شعوب الشمال ذاتها (أي قيام الجبهة المعادية للبلوتوقراط) هدف استراتيجي مطلق من أجل تحرير العمال والشعوب. ولكن هذا الهدف لم ينضج سياسياً بعد، وليس من المنتظر تحقيقه في المستقبل القريب، ولكن في الوقت الحالي، من المنتظر أن تحتل الصراعات بين الشمال والجنوب مركز الصدارة على المسرح.

كاتب الموضوع

alnafisa alzaher

0 تعليق على موضوع : سمير أمين: الاحتكارات المالية وسلطتها المطلقة

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017