سيناريوهات محتملة لكيفية استغلال غاز البحر المتوسط. - بقلم: سهى الجندي

من المحزن جدا أن الخيرات التي تفجرت في البحر المتوسط تتمتع بها إسرائيل وتبيعها للعرب، وهي بالأصل ثروة العرب، ترى ماذا لو كانت إسرائيل غير موجودة؟ دعونا نتخيل السيناريو المحتمل.

هناك احتمال أن تتعاون الدول العربية الواقعة على البحر المتوسط وتستثمر أرباح الغاز بإنشاء منطقة استثمارية حرة بين مصر والسعودية والأردن وفلسطين، يستفيد منها الجميع وتستوعب الأيدي العاملة من جميع الدول العربية، وتخصص للتصدير، فتدر على العرب خيرا وفيرا، ويرتفع مستوى المعيشة لدى سكان البلاد العربية، فيبدعون في العلم والفن والأدب، ويعيشون في رفاهية ويبهرون العالم بإنجازاتهم، فيكون خير هذا الغاز عميما وبركة نزلت على الجميع.

وهناك سيناريو آخر، وهو أن يختلف العرب على الحدود البحرية القائمة بينهم فيلجئون للتحالف مع تركيا وإيران ويدمرون بلدانهم وبعد أن تستنزف الحروب قوتهم، تتقاسمهم تركيا وايران. وتنقسم البلاد إلى امبراطورية سنية بزعامة تركيا وامبراطورية شيعية بزعامة ايران. ويعيش العرب كالعبيد عند العجم.

وهناك سيناريو ثالث وهو أن تتفق الدول العربية على استثمار الغاز وبيعه، وجني أرباح هائلة، فتقوم أنظمة الحكم بنهبها لحساباتهم الخاصة في الخارج، وتبقى الشعوب تعيش في شظف وعسر وتهتف للحكام لكي يجودوا عليهم بفتات موائدهم التي عمرت بخير الشعوب المقهورة.

وهناك سيناريو رابع، وهو أن تتفق الدول العربية على استثمار الغاز، وتوزيع عائداته بالعدل على الشعوب، فتخشى الدول العظمى أن يصبح العرب أصحاب فكر وحضارة، فتقوم بإقناع الحكام أن الخير الوفير الذي حباهم الله به يستحق الشكر لله والعودة إلى الأصول الدينية، فتصبح الدول العربية متدينة جدا، وتمتثل شعوبها للأحكام الدينية وتطيع أولياء أمورها وتقمع النساء وتغطيهن بأردية سوداء حتى لا يكدن يرين الطريق الذي يمشين فيه، ويعود العرب إلى العصور الحجرية، يسردون حكايا الجن ويتمسحون بقبور الأولياء.

وهناك سيناريو خامس وهو أن تقوم الدول العظمى بتحريك الأقليات وتمويلهم وتسليحهم للانفصال عن بلدانهم العربية، فتقسم البلاد العربية بعدد الأقليات الموجودة فيها سواء كانت دينية أو عرقية، وتخوض معارك طاحنة تذهب بجميع ثرواتهم.

مهلا، هذه ليست سيناريوهات خيالية، بل لقد حدثت بالفعل في ديار العرب، فالسيناريو الأول حدث ما بين القرن الثامن حتى القرن الثاني عشر الميلادي، وازدهرت بلاد العرب والمسلمين وبرعت في شتى العلوم والعمران والقوة. ثم تفككت وتحالفت مع الأعداء ضد بعضها البعض وضعفت حتى احتلها العجم واستمروا باحتلالها حتى عصرنا الحاضر الذي يشهد فعليا عمليات احتلال عن بعد، وإن كانت الدول مستقلة اسميا، واليوم تسعى عدة جهات للانفصال على أسس دينية وطائفية وعرقية.

بيد أن فترة الازدهار قصيرة جدا بالنسبة لفترة الضعف والتراجع، والعرب لا يقوون على رفض هذا الواقع وتغييره وإنشاء دولة كبرى تضم جميع السكان على اختلاف أصولهم، وتصهرهم في مواطنة رشيدة ونظام عادل للجميع، كما هي الحال في الدول المتقدمة اليوم، وذلك لغياب الثوابت الأخلاقية والمبادئ والقيم العليا، أي أن الشعوب لم تصل بعد إلى درجة عالية من النضج والثقة بالنفس والثبات على المبدأ. حيث أن الإنسان إذا وصل إلى مرحلة القناعة التامة بمبادئه، فإنه لا يتراجع عنها ويفعل ما ترضى به أخلاقه ومبادئه ويتحمل في سبيل ذلك العناء ليحقق هدفه. أما إذا بلغ الشعب كله مرحلة النضج والثبات على المبدأ، فإنه يستطيع أن يغير واقعه ويتحمل في سبيل ذلك مر العناء في سبيل تحقيق هدفه، فأين نحن من ذلك الوعي وذلك الثبات على المبدأ؟

مهما اختلفت الآراء وتباينت الرؤى، فإن مفاهيم الحق والعدل لا تتغير، سواء أكان الفرد مؤمنا أم ملحدا، فالحق يقضي أن يحافظ الإنسان على وطنه ويحصل على حقوقه من خيرات بلاده، لا فرق بين حاكم ومحكوم ولا بين الراعي والأمير، وعلى هذا يتفق الجميع مهما تنوعت ألوانهم وثقافاتهم. فما بال العرب لا يزالون مشلولين وغير قادرين على تغيير واقعهم المر من أجل حياة حقيقية يعيش كل واحد فيها حياة كريمة ويتمتع بخيرات بلاده بدلا من ضياعها والتحسر عليها؟


سهى الجندي