عادت الإدارة الترامبية إلى المربع الأول الذي وقفت عنده جميع الإدارات الأميركية السابقة، إزاء مفاوضات التسوية الإسرائيلية – الفلسطينية، وإن تكن قد «أنجزت» إخراج القدس من ملف المفاوضات، حين قرر ترامب «أن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل»، وأعلن انحيازه المطلق لكيان العدو وإسناده ودعمه، في تجاهل كامل لحق الشعب الفلسطيني في أرض وطنه التاريخي.
ويبدو أن ترامب لم يعد متيقناً من شيء، مما كان قد أعلن عنه في بداية ولايته، حين دخل البيت الأبيض وهو ممتلئ بوعد تحقيقه وإمكانه «صفقته الكبرى»، وها هو يبدأ مراجعة ذلك الوعد وتخفيف لهجته وحماسته تجاه «عملية السلام» ومفاوضاتها، إذ اصطدم بصخرة الواقع، فلم يبق أمامه سوى وضع اللوم على الإسرائيليين والفلسطينيين، وربما في الغد تحميلهم مسؤولية الفشل في التوصل إلى الصفقة الموعودة.
وفي وقت بدا أن حماسته لاتخاذ خطوات «دفع ذاتي» لتحقيق «تسوية تاريخية» قد خبا، في أعقاب «إنجازه التاريخي» بنقل القدس إلى عهدة الإسرائيليين، عاد في مقابلة مع صحيفة «إسرائيل اليوم» ليؤكد «ضرورة أن يتوصل الطرفان إلى تسوية سياسية تفضي إلى اتفاق سلام». كما جدد اتهاماته إلى الفلسطينيين بأنهم «ليست
لديهم رغبة في صنع السلام حالياً»، كما أشار إلى أنه أيضاً غير متأكد من عزم إسرائيل على ذلك (صنع السلام). وشدد على أنه «يجب على الطرفين تقديم تنازلات من أجل ذلك». كل هذا قبل أن يسعفه الوقت ليعود فيقرر أن إدارته «تنتظر ما يمكن أن يحدث من أجل تقديم مبادرتها للسلام». وهو مثل «انتظار غودو» ذاك الذي مارسته وداومت وأدمنته جميع الإدارات الأميركية السابقة، من دون أن تفلح في تخطي عقبات التوصل إلى تسوية ترضي الطرفين المتفاوضين. لكن الفارق الجوهري بين مواقف الأمس الأميركية، والموقف الترامبي الحالي، هو أن هذا الأخير يتماهى تماماً مع المواقف الإسرائيلية المتطرفة وينحاز إليها، وكثيراً ما يزايد عليها، بدوافع مسيحانية صهيونية، قلّت نظائرها في بعض عهود الإدارات السابقة.
وإلى أن تظهر بوادر «المشروع الترامبي» بعد وقت قد يطول، وقد لا تظهر، سيبقى هذا المشروع طي مسارات من التجريب والتخريب المتبادلين، إلى جانب الممارسة العملانية للقضم والهضم الإسرائيليين، وهو يسلك مسالكه المعهودة في الاستيطان والعدوان تحت ظلال مشروع تسوية لن يرى النور، تماماً كما كانت حال اتفاق أوسلو، وما أسفر عنه من ابتلاع المزيد من الأرض، واقتلاع أصحابها منها، وامتداد الاستيطان إلى قلب ما كان يفترض أنه من حصة «الدولة الفلسطينية»، تلك التي تم الرهان على تحققها ضمن ما يسمى «حل الدولتين»، وإذ بمثل هذا الحل الذي راهنت عليه قوى المشروع الوطني الفلسطيني الكثيرة، يتحول مع الوقت إلى سراب خادع، تماماً كما سوف يتحول الرهان على «المشروع الترامبي» بكل تلوناته وصياغاته «الصفقوية»، إلى سراب يخادع حتى أصحابه.
وفي كل الأحوال، فقد بدا ترامب في تصريحاته الأخيرة، غير متيقن من إمكان التوصل إلى تسوية عبر التفاوض، وذلك حين شكك في عزم إسرائيل على صنع السلام مع الفلسطينيين. وحتى لو نجح ترامب في تصميم تسوية إقليمية وهندستها، فإن تسوية مماثلة مع الفلسطينيين ستبقى بعيدة المنال، تماماً كما بقيت كذلك طوال عهود الإدارات الأميركية السالفة.
0 تعليق على موضوع : ترامب يستدير ووعده يخبو - ماجد الشيخ
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات